البحر: لما بيّن تعالى فضائل الأعراب المؤمنين، بيّن حال هؤلاء السابقين، ولكن شتان ما بين الثناءين فهناك قال ﴿ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ﴾ وهناك قال ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار﴾ وهنا ختم ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وهناك ختم ﴿ذلك الفوز العظيم﴾ ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الأعراب مُنَافِقُونَ﴾ أي وممن حولكم يا أهل المدينة منافقون من الأعراب منازلهم قريبة من منازلكم ﴿وَمِنْ أَهْلِ المدينة﴾ أي ومن أهل المدينة منافقون أيضاً ﴿مَرَدُواْ عَلَى النفاق﴾ أي لجوا في النفاق واستمروا عليه قال ابن عباس: مرنوا عليه وثبتوا منهم ابن سلول، والجلاس، وأبو عامر الراهب ﴿لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ أي لا تعلمهم أنت يا محمد لمهارتهم في النفاق بحيث يخفى أمرهم على كثيرين، ولكن نحن نعلمهم ونخبرك عن أحوالهم ﴿سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ أي في الدنيا بالقتل والأسر، وعند الموت بعذاب القبر ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ أي ثم في الآخرة يردون إِلى عذاب النار، الذي أعده الله للكفار والفجار ﴿وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي وقوم آخرون أقروا بذنوبهم ولم يعتذروا عن تخلفهم بالمعاذير الكاذبة قال الرازي: هم قوم من المسلمين تخلفوا عن غزوة تبوك لا لنفاقهم بل لكسلهم، ثم ندموا على ما فعلوا وتابوا ﴿خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾ أي خلطوا جهادهم السابق وخروجهم مع الرسول لسائر الغزوات بالعمل السيء وهو تخلفهم عن غزوة تبوك هذه المرة ﴿عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ أي لعل الله يتوب عليهم قال الطبري: وعسى من الله واجب ومعناه: سيتوب الله عليهم، ولكنه في كلام العرب بمعنى الترجي على ما وصفت ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي ذو عفوٍ لمن تاب، عظيم الرحمة لمن أناب ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ أي خذ يا محمد من هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم صدقة تطهرهم بها من الذنوب والأوضار، وتنمي بتلك الصدقة حسناتهم حتى يرتفعوا بها إِلى مراتب المخلصين الأبرار ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ أي وادع لهم بالمغفرة فإِن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم قال ابن عباس: ﴿سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ رحمة لهم ﴿والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي سميع لقولهم عليهم بنياتهم ﴿أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ﴾ الاستفهام للتقرير أي ألم يعلم أولئك التائبون أن الله تعالى هو الذي يقبل توبة من تاب من عباده، ﴿وَيَأْخُذُ الصدقات﴾ أي يتقبلها ممن أخلص النية ﴿وَأَنَّ الله هُوَ التواب الرحيم﴾ أي وأن الله وحده المستأثر بقبول التوبة والرحمة، لقوله
﴿غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب﴾ [غافر: ٣] ﴿وَقُلِ اعملوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون﴾ صيغة أمر متضمنة للوعيد أي اعملوا ما شئتم من الأعمال فأعمالكم لا تخفى على الله، وستعرض يوم الحساب على الرسول والمؤمنين ﴿وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة﴾ أي وستردُّون إِلى الله الذي لا تخفى عليه خافية ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي فيجازيكم على أعمالكم إِن خيراً فخير، وإِن شراً فشر ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله﴾ أي وآخرون من المتخلفين مؤخرون إِلى أن يظهر أمر الله فيهم قال ابن عباس: هم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، لم يسارعوا إِلى التوبة والاعتذار، وكانوا من أصحاب بدر، فنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ


الصفحة التالية
Icon