المؤمنين وأنفسهم بالجنة وهو تمثيل في ذروة البلاغة والبيان لأجر المجاهدين، مَثَّل تعالى جزاءهم بالجنة على بذلهم الأموال والأنفس في سبيله بصورة عقد فيه بيع وشراء قال الحسن: بايعهم فأغلى لهم الثمن وانظروا إِلى كرم الله، أنفساً هو خلقها، وأموالاً هو رزقها، ثم وهبها لهم، ثم اشتراها منهم بهذا الثمن الغالي فإِنها لصفقة رابحة وقال بعضهم: ناهيك عن بيعٍ البائع فيه المؤمن، والمشتري فيه رب العزة والثمن فيه الجنة، والصك فيه الكتب السماوية، والواسطة فيه محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي يجاهدون لإِعزاز دين الله وإِعلاء كلمته ﴿فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ أي في حالتي الظفر بالأعداء بقتلهم، أو الاستشهاد في المعركة بموتهم ﴿وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً﴾ أي وعدهم به المولى وعداً قاطعاً ﴿فِي التوراة والإنجيل والقرآن﴾ أي وعداً مثبتاً في الكتب المقدسة «التوراة، والإِنجيل، والقرآن» ﴿وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ﴾ الاستفهام إِنكاري بمعنى النفي أي لا أحد أوفى من الله جل وعلا قال الزمخشري: لأن إِخلاف الميعاد قبيح لا يقدم عليه الكرام من الخلق، فكيف بالغني الذي لا يجوز عليه القبيح؟ ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن منه وأبلغ ﴿مِنَ الله فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الذي بَايَعْتُمْ بِهِ﴾ أي أبشروا بذلك البيع الرابح وافرحوا به غاية الفرح ﴿وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم﴾ هو الفوز الذي لا فوز أعظم منه ﴿التائبون العابدون الحامدون﴾ كلا مستأنف قال الزجاج: مبتدأ خبره محذوف أي التائبون العابدون من أهل الجنة أيضاً وإِن لم يجاهدوا كقوله
﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ [النساء: ٩٥] والمعنى التائبون عن المعاصي، العابدون أي المخلصون في العبادة، الحامدون لله في السراء والضراء ﴿السائحون﴾ أي السائرون في الأرض للغزو أو طلب العلم، من السياحة وهي السير والذهاب في المدن والقفار للعظة والاعتبار ﴿الراكعون الساجدون﴾ أي المصلون ﴿الآمرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر﴾ أي الداعون إِلى الله، يدعون الناس إِلى الرشد والهدى، وينهونهم عن الفساد والردى ﴿والحافظون لِحُدُودِ الله﴾ أي المحافظون على فرائض الله، المتمسكون بما شرع الله من حلال وحرام قال الطبري: أي المؤدون فرائض الله، المنتهون إِلى أمره ونهيه ﴿وَبَشِّرِ المؤمنين﴾ أي بشرهم بجنات النعيم، وحذف المبشر به إِشارة إِلى أنه لا يدخل تحت حصر، بل لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ أي لا ينبغي ولا يصح للنبي والمؤمنين أن يطلبوا من الله المغفرة للمشركين ﴿وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى﴾ أي ولو كان المشركون أقرباء لهم ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجحيم﴾ أي من بعد ما وضح لهم أنهم من أهل الجحيم لموتهم على الكفر، والآية نزلت في أبي طالب ﴿وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ﴾ هذا بيان للسبب الذي حمل إِبراهيم على الاستغفار لأبيه آزر أي ما أقدم إِبراهيم على الاستغفار ﴿إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ﴾ أي إِلا من أجل وعدٍ تقدم له بقوله ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي﴾ [مريم: ٤٧] وأنه كان قبل أن يتحقق إِصراره على الشرك {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ


الصفحة التالية
Icon