شدة الفساد، قال: عَثِيَ يعثَى: وعثَا يعثوا إِذا أفسد فهو عاثٍ، قال الطبري: معناه تطغوا وأصله شدة الإِفساد ﴿وَفُومِهَا﴾ الفوم: الثوم وقيل: الحنطة ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ﴾ الاستبدال: ترك شيء لآخر وأخذ غيره مكانه ﴿أدنى﴾ أخسَّ وأحقر يقال رجل دنيء إِذا كان يتتبع الخسائس ﴿الذلة﴾ الذل والهوان والحقارة ﴿والمسكنة﴾ الفاقة والخشوع مأخوذة من السكون لأن المسكين قليل الحركة لما به من الفقر ﴿وَبَآءُو﴾ رجعوا وانصرفوا قال الرازي: ولا يقال باء إِلا بشرّ ﴿يَعْتَدُونَ﴾ الإِعتداء: تجاوز الحد في كل شيء واشتهر في الظلم والمعاصي.
التفسير: ﴿وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين طلب موسى السقيا لقومه وقد عطشوا في التيه ﴿فَقُلْنَا اضرب بِّعَصَاكَ الحجر﴾ أي اضرب أيّ حجر كان تتفجر بقدرتنا العيون منه ﴿فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً﴾ أي فضرب فتدفق الماء منه بقوة وخرجت منه اثنتا عشرة عيناً بقدر قبائلهم ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾ أي علمت كل قبيلة مكان شربها لئلا يتنازعوا ﴿كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله﴾ أي قلنا لهم: كلوا من المنّ والسلوى، واشربوا من هذا الماء، من غير كدّ منكم ولا تعب، بل هو من خالص إِنعام الله ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ﴾ أي ولا تطغوا في الأرض بأنواع البغي والفساد. ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قلتم لنبيكم موسى وأنتم في الصحراء تأكلون من المن والسلوى ﴿لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ أي على نواع واحدٍ من الطعام وهو المنُّ والسلوى ﴿فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض﴾ أي ادع الله أن يرزقنا غير ذلك الطعام فقد سئمنا المنَّ والسلوى وكرهناه ونريد ما تخرجه الأرض من الحبوب والبقول ﴿مِن بَقْلِهَا﴾ من خضرتها كالنعناع والكرفس والكراث ﴿وَقِثَّآئِهَا﴾ يعني القتَّة التي تشبه الخيار ﴿وَفُومِهَا﴾ أي الثوم ﴿وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾ أي العدس والبصل المعروفان ﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ﴾ أي قال لهم موسى منكراً عليهم: ويحكم أتستبدلون الخسيس بالنفيس! وتفضلون البصل والبقل والثوم على المنّ والسلوى؟ ﴿اهبطوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ﴾ أي ادخلوا مصراً من الأمصار وبلداً من البلدان أيّاً كان لتجدوا فيه مثل هذه الأشياء.
. ثم قال تعالى منبهاً على ضلالهم وفسادهم وبغيهم وعدوانهم ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة﴾ أي لزمهم الذل والهوان وضرب عليهم الصغار والخزي الأبدي الذي لا يفارقهم مدى الحياة ﴿وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ الله﴾ أي انصرفوا ورجعوا بالغضب والسخط الشديد من الله ﴿ذَلِكَ﴾ أي ما نالوه من الذل والهوان والسخط والغضب بسبب ما اقترفوه من الجرائم الشنيعة ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق﴾ أي بسبب كفرهم بآيات الله جحوداً واستكباراً، وقتلهم رسل الله ظلماً وعدواناً ﴿ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ أي بسبب عصيانهم وطغيانهم وتمردهم عَلى أحكام الله ثمَّ دعا تعالى أصحاب الملل والنحل «المؤمنين، واليهود، والنصارى، والصابئين» إِلى الإِيمان الصادق وإخلاص العمل لله وساقه بصيغة الخبر فقال ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ﴾ المؤمنون أتباع محمد ﴿والذين هَادُواْ﴾ أتباع موسى ﴿والنصارى﴾ أتباع عيسى ﴿والصابئين﴾ قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة ﴿مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر﴾