كالذي حصد بالمناجل ﴿كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس﴾ أي كأنها لم تكن عامرة قائمة على ظهر الأرض قبل ذلك ﴿كذلك نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي مثل ما بينا هذا المثل الرائع للحياة الدنيا نبيّن الآيات ونضرب الأمثال لقوم يتفكرون فيعتبرون بهذه الأمثال قال الألوسي: وتخصيصُهم بالذكر لأنهم المنتفعون ﴿والله يدعوا إلى دَارِ السلام﴾ أي يدعو إلى الجنة دار السرور والإِقامة ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي يوصل من شاء هدايته إلى الطريق المستقيم وهو دين الإِسلام ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى﴾ أي للذين أحسنوا بالإِيمان والعمل الصالح لهم الحسنى أي الجنة ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ وهي النظر إلى وجه الله الكريم ﴿وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ أي ولا يغشى وجوههم غبار ولا سواد كما يعتري وجوه أهل النار ﴿وَلاَ ذِلَّةٌ﴾ أي هوانٌ وصغار ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها ﴿والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ أي والذين عملوا السيئات في الدنيا فعصوا الله وكفروا فسيجزون على السيئةِ بمثلها لا يزادون على ذلك، فالحسنات مضاعفة بفضل الله، والسيئات جزاؤها بالمثل عدلاً منه تعالى ﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أي تغشاهم ذلة وهوان ﴿مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي ليس لهم أحد يعصمهم أو يمنعهم من سخط الله تعالى وعقابه ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً﴾ أي كأنما أُلبست وجوههم من فرط السواد والظلمة قطعاً من ظلام الليل ﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي لا يخرجون منها أبداً ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ أي نجمع الفريقين للحساب: المؤمنين والكافرين ثم نقول للذين أشركوا الله ﴿مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ﴾ أي الزموا مكانكم أنتم والذين عبدتموهم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل الله بكم ﴿فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ أي ففرقنا وميزنا بينهم وبين المؤمنين كقوله
﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾ [يس: ٥٩] ﴿وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ أي تبرأ منهم الشركاء وهم الأصنام الذين عبدوهم من دون الله قال مجاهد: يُنطق الله الأوثان فتقول: ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون وما أمرناكم بعبادتنا كقوله ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا وَرَأَوُاْ العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب﴾ [البقرة: ١٦٦] ﴿فكفى بالله شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ أي تقول الشركاء للمشركين يوم القيامة: حسبنا الله شاهداً بيننا وبينكم ﴿إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ أي ما كنا عن عبادتكم لنا إِلا غافلين، لا نسمع ولا نبصر ولا تعقل، لأنا كنا جماداً لا روح فينا ﴿هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ﴾ أي في ذلك الوقت تُختبر كلُّ نفسٍ بما قدمت من خير أو شر، وتنال جزاء ما عملت ﴿وردوا إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الحق﴾ أي ردّوا إلى الله تعالى المتولي جزاءهم بالعدل والقسط ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي ضاع وذهب عنهم ما كانوا يزعمونه م أن الأوثان تشفع لهم، وفي الآية تبكيتٌ شديدٌ للمشركين الذين عبدوا ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنهم شيئاً ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمآء والأرض﴾ في هذه الآيات الأدلةُ على وحدانية الله وربوبيته أي قل يا محمد