التوحيد، ودواء الصدور من العقائد الفاسدة، ودعاء إلى الحق، ورحمة لمن آمن به منكم ﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾ قال ابن عباس: فضل الله القرآن، ورحمته الإِسلام والمعنى: ليفرحوا بهذا الذي جاءهم من الله، من القرآن والإِسلام، فإِنه أولى ما يفرحون به ﴿هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي هو خيرٌ مما يجمعون من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية، والنعيم الزائل، فإِن الدنيا بما فيها لا تساوي جناح بعوضة كما ورد به الحديث الشريف ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ﴾ خطابٌ لكفار العرب والمعنى: أخبروني أيها المشركون عما خلقه الله لكم من الرزق الحلال ﴿فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً﴾ أي فحرَّمتم بعضه وحلَّلتم بعضه كالبحيرة، والسائبة، والميتة قال ابن عباس: نزلت إنكاراً على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب، والحرث والأنعام ﴿قُلْءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ﴾ أي قل لهم يا محمد أخبروني: أحصل إذنٌ من الله لكم بالتحليل والتحريم، فأنتم فيه ممتثلون لأمره، أم هو مجرد افتراء وبهتان على ذي العزة والجلال؟ ﴿وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب يَوْمَ القيامة﴾ أي وما ظنُّ هؤلاء الذين يتخرصون على الله الكذب فيحلون ويحرمون من تلقاء أنفسهم، أيحسبون أن الله يصفح عنهم ويغفر يوم القيامة؟ كلاَّ بل سيصليهم سعيراً، وهو وعيدٌ شديد للمفترين ﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس﴾ أي لذو إنعام عظيم على العباد حيث رحمهم بترك معاجلة العذاب، وبالإِنعام عليهم ببعثة الرسل وإنزال الكتب ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ﴾ أي لا يشكرون النعم بل يجحدون ويكفرون ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ﴾ الخطابُ للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي ما تكون يا محمد في أمر من الأمور، ولا عملٍ من الأعمال ﴿وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ﴾ أي وما تقرأ من كتاب الله شيئاً من القرآن ﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ أي ولا تعملون أيها الناس من خير أو شر ﴿إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ أي إلا كنا شاهدين رقباء، نحصي عليكم أعمالكم حين تندفعون وتخوضون فيها ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ﴾ أي ما يغيب ولا يخفى على الله ﴿مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء﴾ أي من وزن هباءة أو نملة صغيرة في سائر الكائنات أو الموجودات ﴿وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي ولا أصغر من الذرة ولا أكبر منها إلا وهو معلوم لدينا ومسجَّل في اللوح المحفوظ قال الطبري: والآية خبرٌ منه تعالى أنه لا يخفى عليه أصغر الأشياء وإن خفَّ في الوزن، ولا أكبرها وإن عظم في الوزن، فليكن عملكم أيها الناس فيما يرضي ربكم، فإنّا محصوها عليكم ومجازوكم بها ﴿ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي انتبهوا أيها الناس واعلموا أن أحباب الله وأولياءه لا خوف عليهم في الآخرة من عذاب الله، ولا هم يحزنون على ما فاتهم في الدنيا، ثم بيّن تعالى هؤلاء الأولياء فقال ﴿الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ أي الذين صدّقوا الله ورسوله، وكانوا يتقون ربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فالوليُّ هو المؤمن التقيُّ وفي الحديث
«إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداءَ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله، قالوا أخبرنا من هم؟ وما أعمالهم؟ فلعلَّنا نحبُّهم، قال: هم قومٌ تحابّوا


الصفحة التالية
Icon