أسلم نفسه لله، وأخلص في إِيمانه قال ابن عباس: جعل جبريل عليه السلام في فم فرعون الطين مخافة أن تدركه الرحمة ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين﴾ أي الآن تؤمن حين يئست من الحياة، وقد عصيت الله قبل نزول نقمته بك، وكنتَ من الغالين في الضلال والإِضلال والصدِّ عن دين الله؟ ﴿فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ أي فاليوم نخرجك من البحر بجسدك الذي لا روح فيه ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ أي لتكون عبرةً لمن بعدك من الناس، ومن الجبابرة والفراعنة، حتى لا يطغوا مثل طغيانك قال ابن عباس: إِن بعض بني إِسرائيل شكّوا في موت فرعون، فأمر الله البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح ليتحققوا موته وهلاكه ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الناس عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ أي معرضون عن تأمل آياتنا لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بني إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ أي أنزلنا وأسكنا بني إِسرائيل بعد إِهلاك أعدائهم منزلاً صالحاً مرضياً ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات﴾ أي اللذائذ الطيبة النافعة ﴿فَمَا اختلفوا حتى جَآءَهُمُ العلم إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أي فما اختلفوا في أمر الدين إِلا من بعد ما جاءهم العلم وهو التوراة التي فيها حكم الله، وهذا ذمٌ لهم لأن اختلافهم كان بسبب الدين، والدينُ يجمع ولا يفرّق، ويوحّد ولا يشتت وقال الطبري: كانوا قبل أن يُبعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مجمعين على نبوته، والإِقرار بمبعثه، فلما جاءهم ما عرفوا كفر به بعضهم، وآمن البعض، فذلك اختلافهم ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ﴾ هذا على سبيل الفرض والتقدير: أي إِن فرض أنك شككت فاسأل قال ابن عباس: لم يشك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولم يسأل وقال الزمخشري: هذا على الفرض والتمثيل كأنه قيل: فإِن وقع شكٌ مثلاً، وخيَّل لك الشيطان خيالاً تقديراً فسل علماء أهل الكتاب، وفرقٌ عظيم بين قوله
﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ [فصلت: ٤٥] بإِثبات الشك على سبيل التأكيد والتحقيق وبين قوله ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ﴾ بمعنى الفرض والتمثيل وقال بعضهم: الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد غيره ﴿فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ﴾ أي اسأل أهل الكتاب الذين يعرفون التوراة والإِنجيل، فإِن ذلك محقَّق عندهم كما قصصنا عليك، والغرضُ دفع الشك عن قصص القرآن ﴿لَقَدْ جَآءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ أي جاءك يا محمد البيانُ الحق، والخبر الصادق، الذي لا يعتريه شك ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين﴾ أي فلا تكن من الشاكين المرتابين ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله﴾ أي لا تكذّبْ بشيءٍ من آيات الله ﴿فَتَكُونَ مِنَ الخاسرين﴾ أي فتصبح ممن خسر دنياه وآخرته، قال البيضاوي: وهذا من باب التهييج والتثبيت وقطع أطماع المشركين عنه وقال القرطبي: الخطابُ في هاتين الآيتين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد غيره ﴿إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ أي وجبت عليهم كلمة العذاب بإِرادة الله الأزلية ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ﴾ أي لا يصدقون ولا يؤمنون أبداً ولو جاءتهم البراهين والمعجزات ﴿حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم﴾ أي فحينئذٍ يؤمنون كما آمن فرعون ولكن لا ينفعهم الإِيمان {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ