ويضر ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ أي وأنا مأمور بأن أكون مؤمناً موحّداً لله لا أشرك معه غيره ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾ أي وأمرتُ بالاستقامة في الدين، على الحنيفية السمحة ملةِ إِبراهيم ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين﴾ أي ولا تكوننَّ ممن يشرك في عبادة ربه ﴿وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ﴾ تأكيدٌ للنهي المذكور أي ولا تعبدْ غير الله ممّا لا ينفع ولا يضر كالآلهة والأصنام ﴿فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظالمين﴾ أي فإِن عبدتَ تلك الآلهة المزعومة كنت ممن ظلم نفسه لأنك عرضتها لعذاب الله، والخطابُ هنا للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد غيره كما تقدم ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ أي وإِن أراد الله إِصابتك بضرُ فلا دافع له إِلا هو وحده ﴿وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ﴾ أي وإِن أراد إِصابتك بنعمة أو رخاء فلا يمنعه عنك مانع ﴿يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي يصيب بهذا الفضل والإِحسان من شاء من العباد ﴿وَهُوَ الغفور الرحيم﴾ أي هو سبحانه الغفور لذنوب العباد، الرحيم بأهل الرشاد ﴿قُلْ ياأيها الناس قَدْ جَآءَكُمُ الحق مِن رَّبِّكُمْ﴾ أي جاءكم القرآن العظيم المشتمل على محاسن الأحكام ﴿فَمَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ أي من اهتدى بالإِيمان فمنفعة اهتدائه لها خاصة ﴿وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ أي ومن ضلَّ بالكفر والإِعراض فوبال الضلال مقصور عليها ﴿وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ أي ولست بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم إِنما أنا بشيرٌ ونذير ﴿واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ﴾ أي اتّبعْ يا محمد في جميع شئونك ما يوحيه إِليك ربك ﴿واصبر حتى يَحْكُمَ الله﴾ أي اصبر على ما يعتريك من مشاقّ التبليغ حتى يقضي الله بينك وبينهم ﴿وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين﴾ أي هو سبحانه خير من يفصل في الحكومة، والآية تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووعيدٌ للمشركين.
البَلاَغة: ١ - ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ الاستفهام للتوبيخ والإِنكار.
٢ - ﴿بَوَّأْنَا... مُبَوَّأَ﴾ يبنهما جناس الاشتقاق.
٣ - ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ كناية عن القضاء والحكم الأزلي بالشقاوة.
٤ - ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا﴾ صيغة المضارع حكاية عن الماضي لتهويل أمرها باستحضار صورتها.
٥ - ﴿مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ﴾ بينهما طباق.
٦ - ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ... وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ بين الجملتين مقابلة لطيفة وهي من المحسنات البديعية.
٧ - ﴿فَمَنِ اهتدى... وَمَن ضَلَّ﴾ بينهما طباقٌ.
٨ - ﴿يَحْكُمَ الله... الحاكمين﴾ بينهما جناس الاشتقاق.
فَائِدَة: قال الإِمام الفخر: آمن فرعون ثلاث مرات: أولها قوله ﴿آمَنتُ﴾ وثانيها قوله ﴿لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين﴾ وثالثها قوله ﴿وَأَنَاْ مِنَ المسلمين﴾ فما السبب في عدم قبول إِيمانه؟ والجواب: أنه إِنما آمن عند نزول العذاب، والإِيمانُ في هذا الوقت غير مقبول،