وعاينها وعبرة لمن جاء بعدها ولم يشاهدها ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أي عظةً وذكرى لكل عبدٍ صالحٍ متّقٍ لله سبحانه وتعالى.
البَلاَغَة: أولاً: ﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾ فيه إِيجاز بالحذف أي قلنا لهم خذوا فهو كما قال الزمخشري على إرادة القول.
ثانياً: ﴿كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ خرج الأمر عن حقيقته إِلى معنى الإِهانة والتحقير، وقال بعض المفسرين: هذا أمر تسخيرٍ وتكوين، فهو عبارة عن تعلق القدرة بنقلهم من حقيقة البشرية إِلى حقيقة القردة.
ثالثاً: ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ كناية عمن أتى قبلها أو أتى بعدها من الأمم والخلائق، أو عبرة لمن تقدم ومن تأخر.
الفوَائِد: الأولى: قال القفال: إِنما قال ﴿مِيثَاقَكُمْ﴾ ولم يقل «مواثيقكم» لأنه أراد ميثاق كل واحدٍ منكم كقوله
﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [غافر: ٦٧] أي يخرج كل واحدٍ منكم طفلاً.
الثانية: قال بعض أهل اللطائف: كانت نفوس بني إِسرائيل من ظلمات عصيانها تخبط في عشواء حالكة الجلباب، وتخطر من غلوائها وعلوّها في حلتي كبرٍ وإِعجاب، فلما أُمروا بأخذ التوراة ورأوا ما فيها من أثقال ثارت نفوسهم فرفع الله عليهم الجبل فوجدوه أثقل مما كلِّفوه، فهان عليهم حمل التوراة قال الشاعر:
إِلى الله يُدعَى بالبراهينِ من أَبى فإِن لم يُجبْ نادته بيض الصَّوارم
الثالثة: إِنما خصَّ المتقين بإِضافة الموعظة إِليهم ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ لأنهم هم الذين ينتفعون بالعظة والتذكير قال تعالى ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ [الذاريات: ٥٥].