عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها، فقال: والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً، فاشتروها بملء جلدها ذهباً فذبحوها فضربوه ببعضها فقام، فقالوا: من قتلك؟ قال: هذا وأشار على ابن أخيه ثم مال ميتاً، فلم يعط من ماله شيئاً فلم يورث قاتل بعد» وفي رواية «فأخذوا الغلام فقتلوه».
التفسير: ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قال لكم نبيكم موسى إِن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ﴿قالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً﴾ أي فكان جوابكم الوقح لنبيكم أن قلتم: أتهزأ بنا يا موسى ﴿قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين﴾ أي ألتجئ إلى الله أن أكون في زمرة المستهزئين الجاهلين ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ أي ما هي هذه البقرة وأي شيء صفتها؟ ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ﴾ أي لا كبيرة هرمة، ولا صغيرة لم يلقحها الفحل ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ أي وسط بين الكبيرة والصغيرة ﴿فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ﴾ أي افعلوا ما أمركم به ربكم ولا تتعنتوا ولا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا﴾ أي ما هو لونها أبيض أم أسود أم غير ذلك؟ ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ الناظرين﴾ أي إِنها بقرة صفراء شديدة الصفرة، حسن منظرها تسر كل من رآها. ﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ أعادوا السؤال عن حال البقرة بعد أن عرفوا سنها ولونها ليزدادوا بياناً لوصفها، ثم اعتذروا بأن البقر الموصوف بكونه عواناً وبالصفرة الفاقعة كثيرٌ ﴿إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ أي التبس الأمر علينا فلم ندر ما البقرة المأمور بذبحها ﴿وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ﴾ أي سنتهدي إِلى معرفتها إِن شاء الله، ولو لم يقولوا ذلك لم يهتدوا إِليها أبداً كما ثبت في الحديث ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض وَلاَ تَسْقِي الحرث﴾ أي ليست هذه البقرة مسخرة لحراثة الأرض، ولا لسقاية الزرع ﴿مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ أي سليمة من العيوب ليس فيها لونٌ آخر يخالف لونها فهي صفراء كلها ﴿قَالُواْ الآن جِئْتَ بالحق﴾ أي الآن بينتها لنا بياناً شافياً لا غموض فيه ولا لبس قال تعالى
إِخباراً عنهم ﴿وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ لغلاء ثمنها أو خوف الفضيحة ثم أخبر تعالى عن سبب أمرهم بذبح البقرة، وعما شهدوه من آيات الله الباهرة، فقال ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين قتلتم نفسا ﴿فادارأتم فِيهَا﴾ أي تخاصتم وتدافعتم بشأنها، وأصبح كل فريق يدفع التهمة عن نفسه وينسبها لغيره ﴿والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ أي مظهر ما تخفونه ﴿فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا﴾ أي اضربوا القتيل بشيء من البقرة يحيا ويخبركم عن قاتله ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى﴾ أي كما أحيا هذا القتيل أمام أبصاركم يحي الموتى من قبورهم ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي يريكم دلائل قدرته لتتفكروا وتتدبروا وتعلموا أن الله على كل شيء قدير.
ثم أخبر تعالى عن جفائهم وقسوة قلوبهم فقال ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أي صلبت قلوبهم يا معشر اليهود فلا يؤثر فيها وعظٌ ولا تذكير ﴿مِّن بَعْدِ ذلك﴾ أي من بعد رؤية المعجزات الباهرة ﴿فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ أي بعضها كالحجارة وبعضها أشد قسوة من الحجارة كالحديد ﴿وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار﴾ أي تتدفق منها الأنهار الغزيرة {وَإِنَّ مِنْهَا


الصفحة التالية
Icon