سألهم وفود الحاج ماذا أُنزل على محمد؟ قالوا أباطيل وأحاديث الأولين ﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة﴾ أي قالوا ذلك البهتان ليحملوا ذنوبهم كاملةً من غير أن يُكفَّر منها شيء ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي وليحملوا ذنوب الأتباع الذين أضلوهم بغير دليلٍ أو برهان، فقد كانوا رؤساء يُقتدى بهم في الضلالة ولذلك حملوا أوزارهم وأوزار من أضلوهم ﴿أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ﴾ ألاَ للتنبيه أي فانتبهوا أيها القوم بئس الحمل الذي حملوه على ظهورهم، والمقصودُ المبالغة في الزجر ﴿قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي مكر المجرمون بأنبيائهم وأرادوا إطفاء نور الله من قبل كفار مكة، وهذا تسلية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد﴾ أي قلع بنيانهم من قواعده وأسسه، وهذا تمثيلٌ لإِفساد ما أبرموه من المكر بالرسل ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ﴾ أي فسقط عليهم سقف بنيانهم فتهدّم البناء وماتوا ﴿وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي جاءهم الهلاك والدمار من حيث لا يخطر على بالهم، والآية مشهد كاملٌ للدمار والهلاك، وللسخرية من مكر الماكرين، وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله ويحسبون مكرهم لا يُردّ، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط ﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ﴾ أي يفضحهم بالعذاب ويذلهم ويهينهم ﴿وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ¤لَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ أي يقول تعالى لهم على سبيل التقريع والتوبيخ: أين هؤلاء الشركاء الذين كنتم تخاصمون وتعادون من أجلهم الأنبياء؟ أحضروهم ليشفعوا لكم، والأسلوب استهزاءٌ وتهكم ﴿قَالَ الذين أُوتُواْ العلم إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين﴾ أي يقول الدعاة والعلماء شماتةً بأولئك الأشقياء إن الذلَّ والهوان والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله ﴿الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي تقبض الملائكة أرواحهم الخبيثة حال كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والإِشراك بالله ﴿فَأَلْقَوُاْ السلم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء﴾ أي استسلموا وانقادوا عند الموت على خلاف عادتهم في الدنيا من العناد والمكابرة، وقالوا ما أشركنا ولا عصينا كما يقولون يوم المعاد
﴿والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ﴿بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي يكذبهم الله ويقول: بلى قد كذبتم وعصيتم وكنتم مجرمين ﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي أدخلوا جهنم ماكثين فيها أبداً ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ أي بئست جهنم مقراً ومقاماً للمتكبرين عن طاعة الله.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الالتفات في ﴿فاتقون﴾ فهو خطاب للمستعجلين بطريق الالتفات.
٢ - أسلوب الإِطناب في ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ﴾ تأكيداً لسفاهة من عبد الأصنام ومثله ﴿لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾.
٣ - الطباق بين ﴿يُسِرُّونَ وَيُعْلِنُونَ﴾ وبين ﴿تُرِيحُونَ وتَسْرَحُونَ﴾.
٤ - صيغة المبالغة في ﴿خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾ وفي ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
٥ - طباق السلب في ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾.
٦ -


الصفحة التالية
Icon