بدَّ منه ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون قدرة الله فينكرون البعث والنشور ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ أي سيبعثهم ليكشف ضلالهم في إنكارهم البعث، وليظهر لهم الحق فيما اختلفوا فيه، وليحقق العدل وهو التمييز بين المطيع والعاصي، وبين المحق والمبطل، وبين الظالم والمظلوم ﴿وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ﴾ أي وليعلم الجاحدون للبعث، والمكذبون لوعد الله الحق أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أي لا يحتاج الأمر إلى كبير جهد وعناء فإنا نقول للشيء كنْ فيكون قال المفسرون: هذا تقريبٌ للأذهان، والحقيقةُ أنه تعالى لو أراد شيئاً لكان بغير احتياج إِلى لفظ ﴿كُنْ﴾ ﴿والذين هَاجَرُواْ فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ﴾ أي تركوا الأوطان والأهل والقرابة في شأن الله وابتغاء رضوانه من بعد ما عُذِّبُوا في الله قال القرطبي: هم صهيب وبلال وخبّاب وعمّار، عذّبهم أهل مكة حتى قالوا لهم ما أرادوا، فلما خلّوهم هاجروا إلى المدينة ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدنيا حَسَنَةً﴾ أي لنسكننهم داراً حسنة خيراً مما فقدوا قال ابن عباس: بوأهم الله المدينة فجعلها لهم دار هجرة ﴿وَلأَجْرُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي ثواب الآخر أعظم وأشرف وأكبر لو كان الناس يعلمون ﴿الذين صَبَرُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ أي هم الذين صبروا على الشدائد والمكاره، فهجروا الأوطان، وفارقوا الإخوان، واعتمدوا على الله وحده يبتغون أجره ومثوبته ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ﴾ أي وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلى الأمم الماضية إِلا بشراً نوحي إِليهم كما أوحينا إِليك قال المفسرون: أنكر مشركو قريش نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، فهلاَّ بعث إِلينا ملكاً فنزلت ﴿فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي اسألوا يا معشر قريش العلماء بالتوارة والإِنجيل يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشراً إن كنتم لا تعلمون ذلك ﴿بالبينات والزبر﴾ أي أرسلناهم بالحجج والبراهين الساطعة الدالة على صدقهم وبالزُبر أي الكتب المقدسة ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر﴾ أي القرآن المذكّر الموقظ للقلوب الغافلة ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ أي لتعرّف الناس الأحكام، والحلال والحرام ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي ولعلهم يتفكرون في هذا القرآن فيتعظون ﴿أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات أَن يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرض﴾ أي هل أمن هؤلاء الكفار الذين مكروا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واحتالوا لقتله في دار الندوة، هل أمنوا أن يخسف الله بهم الأرض كما فعل بقارون؟ ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي يأتيهم العذاب بغتةً في حال آمنهم واستقرارهم، من حيث لا يخطر ببالهم ومن جهةٍ لا يعلمون بها ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ﴾ أي يهلكهم في أثناء أسفارهم للتجارة واشتغالهم بالبيع والشراء فإِنهم على أي حال لا يعجزون الله ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ﴾ أي يهلكهم الله حال كونهم خائفين مترقبين لنزول العذاب قال ابن كثير: فإِنه يكون أبلغ وأشد فإِن حصول ما يتوقع مع الخوف شديدٌ ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ﴾ أي أولم يعتبر هؤلاء الكافرون ويروا آثار


الصفحة التالية
Icon