جمهور السلف والخلف ﴿قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين﴾ أي احمل في السفينة من كل صنفٍ من المخلوقات اثنين: ذكراً، وأنثى ﴿وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول﴾ أي واحمل قرابتك أيضاً أولادك ونساءك إلا من حكم الله بهلاكه، والمراد به ابنهُ الكافر «كنعان» وامرأته «واعلة» ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾ أي واحمل معك من آمن من أتباعك ﴿وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ أي وما آمن بنوح إلا نزرٌ يسير مع طول إقامته بينهم وهي مدة تسعمائة وخمسين سنة، قال ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم، وعن كعب: كانوا اثنين وسبعين نفساً، وقيل: كانوا عشرة ﴿وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا﴾ أي وقال نوح لمن آمن به اركبوا في السفينة، باسم الله يكون جريُها على وجه الماء، وباسم الله يكون رسوُّها واستقرارها قال الطبري: المعنى بسم الله حين تجري وحين تُرسي، أي حين تسير وحين تقف ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي ساتر لذنوب التائبين، رحيمٌ بالمؤمنين حيث نجاهم من الغرق ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كالجبال﴾ أي والسفينة تسير بهم وسط الأمواج، التي هي كالجبل في العِظَم والارتفاع، بإذن الله وعنايته ولطفه قال الصاوي: رُوي أن الله أرسل المطر أربعين يوماً وليلة، وخرج الماء من الأرض ينابيع كما قال تعالى
﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: ١١ - ١٢] وارتفع الماء على أعلى جبل أربعين ذراعاً حتى أغرق كل شيء ﴿ونادى نُوحٌ ابنه وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ أي ونادى نوحٌ ولده «كنعان» قبيل سير السفينة وكان في ناحيةٍ منها لم يركب مع المؤمنين ﴿يابني اركب مَّعَنَا﴾ أي اركب معنا ولا تهلكْ نفسك بالغرق ﴿وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين﴾ أي فتغرق كما يغرقون ﴿قَالَ سآوي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المآء﴾ أي سأصعد إلى رأس جبل أتحصن به من الغرق، ظناً منه أن الماء لا يصل إلى رءوس الجبال ﴿قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾ أي قال له أبوه نوح: لا معصوم اليوم من عذاب الله ولا ناجي من عقابه إلا من رَحِمَهُ اللَّهُ ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج فَكَانَ مِنَ المغرقين﴾ أي حال بين نوحٍ وولده موجُ البحر فغرق ﴿وَقِيلَ ياأرض ابلعي مَآءَكِ﴾ أي انشقي وابتعلي ما على وجهك من الماء ﴿وياسمآء أَقْلِعِي﴾ أي أمسكي عن المطر ﴿وَغِيضَ المآء﴾ أي ذهب في أغوار الأرض قال مجاهد: نقص الماء ﴿وَقُضِيَ الأمر﴾ أي تمَّ أمر الله بإغراق من غرق، ونجاة من نجا ﴿واستوت عَلَى الجودي﴾ أي استقرت السفينة على جبل الجودي بقرب الموصل ﴿وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين﴾ أي هلاكاً وخساراً لمن كفر بالله وهي جملة دعائية قال الألوسي: ولا يخفى ما في الآية من الدلالة على عموم هلاك الكفرة، بل على عموم هلاك أهل الأرض ما عدا أهل السفينة، ويدل عليه ما رُوي أن الغرقَ أصاب امرأة معها صبيٌّ لها فوضعته على صدرها، فلما بلغها الماء وضعته على منكبها، فلما بلغها الماء رفعته بيديها، فلو رحم الله أحداً من أهل الأرض لرحمها ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي﴾ أي نادى نوح ربَّه متضرعاً إليه فقال: ربِّ إن ابني «كنعان» من أهلي وقد وعدتني بنجاتهم ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق﴾ أي وعدك حقٌ لا خُلْف فيه ﴿وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين﴾ أي وأنت يا ألله أعدل الحاكيم بالحق {قَالَ