غير الله تعالى فإنَّ فيه أذى للنفس والعقيدة ﴿فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي فمن اضطر لأكل ما حرَّم الله من المذكورات من غير بغيٍ ولا عدوان فإن الله واسع المغفرة عظيم الرحمة لا يؤاخذ من كان مضطراً، ثم وبّخ تعالى المشركين الذين حلّلوا وحرّموا من تلقاء أنفسهم فقال ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ﴾ أي لا تقولوا أيها المشركون في شأن ما تصفه ألسنتكم من الكذب هذا حلالٌ وهذا حرام من غير دليلٍ ولا برهان ﴿لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب﴾ أي لتكذبوا على الله بنسبة ذلك إليه ﴿إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ﴾ أي إن الذين يختلفون الكذبَ على الله لا يفوزون ولا يظفرون بمطلوبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي انتفاعهم واستمتاعهم في الدنيا قليل لأنه زائل، ولهم في الآخرة عذاب مؤلم، ثم ذكر تعالى ما حرَّم على اليهود فقال ﴿وعلى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ﴾ أي وعلى اليهود خاصة حرمنا عليهم ما قصصنا عليك يا محمد مما سبق ذكره في سورة الأنعام عقوبة لهم وهي شحوم البقرة والغنم وكل ذي ظفر ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي وما ظلمناهم بذلك التحريم ولكنْ ظلموا أنفسهم فاستحقوا ذلك كقوله
﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠] ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السواء بِجَهَالَةٍ﴾ أي ثم إن ربك يا محمد للذين ارتكبوا تلك القبائح بجهلٍ وسفه ﴿ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وأصلحوا﴾ أي ثم رجعوا إِلى ربهم وأنابوا وأصلحوا العمل بعد ذلك الزلل ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي إنه تعالى واسع المغفرة عظيم الرحمة، والآية تأنيسٌ لجميع الناس وفتحٌ لباب التوبة ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ أي إنَّ إِبراهيم كان إِماماً قدوةً جامعاً لخصال الخير ولذلك اختاره الله لخلته ﴿قَانِتاً لِلَّهِ﴾ أي مطيعاً لربه قائماً بأمره ﴿حَنِيفاً﴾ أي مائلاً عن كل دين باطل إلى دين الحق، دين الإِسلام ﴿وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين﴾ تأكيد لما سبق وردٌّ على اليهود والنصارى في زعمهم أن إِبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً ﴿شَاكِراً لأَنْعُمِهِ﴾ أي قائماً بشكر نعم الله ﴿اجتباه وَهَدَاهُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي اختاره واصطفاه للنبوة وهداه إِلى الإِسلام وإلى عبادة الواحد الأحد ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدنيا حَسَنَةً﴾ أي جعلنا له الذكر الجميل في الدنيا ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين﴾ أي وهو في الآخرة من أصحاب الدرجات الرفيعة، وفي أعلى مقامات الصالحين ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾ لما وصف تعالى إِبراهيم بتلك الأوصاف الشريفة أمر نبيه محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يتَّبع ملته والمعنى ثم أمرناك يا محمد باتباع دين إِبراهيم وملته الحنيفية السمحة ﴿وَمَا كَانَ مِنَ المشركين﴾ أي وما كان يهودياً أو نصرانياً، وإنما كان حنيفاً مسلماً، وهو تأكيد آخر لردّ مزاعم اليهود والنصارى أنهم على دينه ﴿إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ﴾ أي لم يكن تعظيم يوم السبت وتركُ العمل فيه من شريعة إبراهيم ولا من شعائر دينه، وإِنما جعل تغليظاً على اليهود لاختلاطهم في الدين وعصيانهم أمر الله، حيث نهاهم عن الاصطياد فيه فاصطادوا فمسخهم قردةً وخنازير ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أي