المجتمع الفاضل، ثم ذكر تعالى موقف المشركين المكذبين من هذا القرآن العظيم.
اللغَة: ﴿أُفٍّ﴾ كلمة تضجُّر وتبرُّم قال ابن الأعرابي الأفُّ: الضجر، وأصلها أنه إذا سقط تراب أو رماد فنفخ الإنسان ليزيله، فالصوت الحاصل هو أُفّ ثم توسعوا في الكلمة حتى أصبحت تقال لكل مكروه ﴿تَنْهَرْهُمَا﴾ النهْرُ: الزجرُ والغِلظة ﴿الأَوَّابِينَ﴾ جمع أوَّاب وهو كثير التوبة والإِنابة من الأَوْب بمعنى الرجوع ﴿مَّحْسُوراً﴾ منقطعاً عن النفقة والتصرف قال الفراء: تقول العرب للبعير هو محسور إذا انقطع سيره، وحَسرَت الدابة إذا انقطعت عن المسير لذهاب قوتها، فشُبّه حال من أنفق كلّ ماله بمن انقطع في سفره بسبب انقطاع مطيته ﴿إِمْلاقٍ﴾ فقر وفاقة، أملق الرجل إذا افتقر ﴿خِطْئاً﴾ قال الأزهري: خطيئ يَخْطَأُ خِطْأً إذا تعمَّد الخطأ، وأخطأ إذا لم يتعمد ﴿القسطاس﴾ الميزان مأخوذ من القِسْط وهو العدل ﴿تَقْفُ﴾ تَتَّبعْ مأخوذ من قفوتُ أثر فلان إذا اتبعت أثَره وأصله البهتُ والقذف بالباطل ﴿مَرَحاً﴾ المَرَح: شدة الفرح والمراد به هنا التكبر والخيلاء ﴿صَرَّفْنَا﴾ بيَّنا ﴿أَكِنَّةً﴾ جمع كِنان وهو الغطاء الذي يستر الشيء ﴿وَقْراً﴾ صمماً وثقلاً.
التفسِير: ﴿وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ أي حكم تعالى وأمر بأن لا تعبدوا إلهاً غيره وقال مجاهد: ﴿وقضى﴾ يعني وصَّى بعبادته وتوحيده ﴿وبالوالدين إِحْسَاناً﴾ أي وأمر بأن تحسنوا إلى الوالدين إحساناً قال المفسرون: قرن تعالى بعبادته برَّ الوالدين لبيان حقهما العظيم على الولد لأنهما السبب الظاهر لوجوده وعيشه، ولما كان إحسانهما إلى الولد قد بلغ الغاية العظيمة وجب أن يكون إحسان الولد إليهما كذلك ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا﴾ أي قد أوصيناك بهما وبخاصة إذا كبرا أو كبر أحدهما، وإنما خصَّ حالة الكِبَر لأنهما حينئذٍ أحوج إلى البر والقيام بحقوقهما لضعفهما ومعنى ﴿عِندَكَ﴾ أي في كنفك وكفالتك ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ أي لا تقل للوالدين أقل كلمة تظهر الضجر ككلمة أفٍّ ولا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولو بكلمة التأفف ﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾ أي لا تزجرهما بإغلاظٍ فيما لا يعجبك منهما ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ أي قل لهما قولاً حسناً ليناً طيباً بأدب ووقار وتعظيم ﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة﴾ أي ألنْ جانبك وتواضعْ لهما بتذلّل وخضوع من فرط رحمتك وعطفك عليهما ﴿وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ أي أدع لهما بالرحمة وقل في دعائك يا رب ارحم والديَّ برحمتك الواسعة كما أحسنا إليَّ في تربيتهما حالة الصغر ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ أي ربكم أيها الناس أعلم بما في نفوسكم من إرادة البر أو العقوق ﴿إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً﴾ أي إن تكونوا قاصدين للبِرّ والصلاح دون العقوق والفساد فإِنه جلَّ وعلا يتجاوز عن سيئاتكم ويغفر للأوابين وهم الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستغفرين قال الرازي: والمقصود من هذه الآية أن الأولى لما دلَّت على وجوب تعظيم الوالدين ثم إنَّ الولد قد يظهر منه ما يخلُّ بتعظيمهما فإن كانت تلك الهفوة ليست لأجل العقوق بل ظهرت بمقتضى الجبلَّة البشرية كانت في محل الغفران، وبمناسبة الإِحسان إلى الوالدين يأمر تعالى بالإِحسان إلى الأقارب