والجلال ليسلبوا ملكه كما يفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض ﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ أي تنزَّه تعالى وتقدَّس عما يقول أولئك الظالمون، وتعالى ربنا عما نسبوه إليه من الزور والبهتان تعالياً كبيراً، فإن مثل هذه الفِرية مما يتنزّه عنه مقامه الأسمى قال الشهاب: وذكر العلُوَّ بعد عنوانه ب ﴿ذِي العرش﴾ في أعلى مراتب البلاغة لأنه المناسب للعظمة والجلال ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ﴾ أي تسبح له الكائنات، وتنزهه وتقدسه الأرض والسماوات، ومن فيهن من المخلوقات ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ أي وما من شيء في هذا الوجود إلا ناطق بعظمة الله، شاهد بوحدانيته جلَّ وعلا، السماواتُ تسبّح الله في زرقتها، والحقولُ في خضرتها، والبساتينُ في نضرتها، والأشجار في حفيفها، والمياهُ في خريرها، والطيورُ في تغريدها، والشمسُ في شروقها وغروبها، والسحبُ في إمطارها، والكل شاهد بالوحدانية لله.

وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنه واحدُ
﴿ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ أي ولكنْ لا تفهمون تسبيح هذه الأشياء لأنها ليست بلغاتكم ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ أي إنه تعالى حليم بالعباد لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، غفورٌ لمن تاب وأناب، ولولا حلم الله وغفرانه لأخذ البشر أخذ عزيز مقتدر ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً﴾ أي وإذا قرأت يا محمد القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدّقون بالآخرة جعلنا بينك وبينهم حجاباً خفياً يحجب عنهم فهم القرآن وإِدراك أسراره وحِكمه ﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ أي وجعلنا على قلوب هؤلاء الكفار أغطيةً لئلا يفهموا القرآن ﴿وفي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ أي صمماً يمنعهم من استماعه ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً﴾ أي وإذا وحدَّت الله وأنت تتلو القرآن فرَّ المشركون من ذلك هرباً من استماع التوحيد ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ﴾ أي نحن أعلم بالغاية التي يستمعون من أجلها للقرآن وهي الاستهزاء والسخرية قال المفسرون: كان المشركون يجلسون عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مظهرين الاستماع وفي الواقع قاصدين الاستهزاء فنزلت الآية تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتهديداً للمشركين ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نجوى﴾ أي حين يستمعون إلى قراءتك يا محمد ثم يتناجون ويتحدثون بينهم سراً ﴿إِذْ يَقُولُ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾ أي حين يقول أولئك الفجرة ما تتبعون إلا رجلاً سُحر فجُنَّ فاختلط كلامه ﴿انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال فَضَلُّواْ﴾ أي انظر يا محمد وتعجَّب كيف يقولون تارة عنك إنك


الصفحة التالية
Icon