مؤمناً، وما بغت امرأة نبيٍّ قط ومعنى الآية: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك.
أقول: نبهت الآية على أن أهله هم الصلحاء، أهل دينه وشريعته، فمن لا صلاح له لا نجاة له، ومدار الأهلية القرابة الدينية، لا القرابة البدنية.
أبي الإِسلام لا أبَ لي سواه | إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم |
لطيفَة: روي أن أعرابياً سمع هذه الآية ﴿وَقِيلَ ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي... ﴾ الآية فقال: هذ كلام القادرين لا يشبه كلام المخلوقين، ويروى أن «ابن المقفع» - وكان أفصح أهل زمانه - رام أن يعارض القرآن فنظم كلاماً، وجعله مفصلاً، وسمّاه سوراً، فمرَّ يوماً بصبي فسمعه يقرأ الآية فرجع إلى بيته ومحا ما كان قد بدأ به، وقال: أشهد أن هذا لا يُعارض أبداً، وما هو من كلام البشر.
تنبيه: هذه الآية بلغت من أسرار الإِعجاز غايتها، وحوت من بدائع الفوائد نهايتها، وجمعت من المحاسن اللفظية والمعنوية ما يضيق عنه نطاق البيان، وقد اهتم بإظهار لطائفها وأسرارها العلاّمة أبو حيان حيث قال رَحِمَهُ اللَّهُ وطيَّب ثراه: في هذه الآية أحد وعشرون نوعاً من البديع: المناسبةُ في قوله
﴿أَقْلِعِي﴾ و
﴿ابلعي﴾ والمطابقةُ بذكر الأرض والسماء، والمجازُ في
﴿ياسمآء﴾ المراد مطر السماء، والاستعارةُ في
﴿أَقْلِعِي﴾ والإِشارة في
﴿وَغِيضَ المآء﴾ فإنها إشارة إلى معانٍ كثيرة، والتمثيلُ في
﴿وَقُضِيَ الأمر﴾ عبّر بالأمر عن إهلاك الهالكين ونجاة الناجين، والإِرداف في
﴿واستوت عَلَى الجودي﴾ فلفظ واستوت كلام تامٌ أردفه بلفظ
﴿عَلَى الجودي﴾ قصداً للمبالغة في التمكن بهذا المكان، والتعليلُ في
﴿وَغِيضَ المآء﴾ فإنه علة للاستواء، والاحتراسُ في
﴿بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين﴾ وهو أيضاً ذم لهم، والإِيجاز وهو ذكر القصة باللفظ القصير مستوعباً للمعاني الجمَّة، وعدَّد بقية الوجوه وهي: الإِيضاحُ، والمساواة، وحسنُ النَّسق، وصحة التقسيم، وحسن البيان، والتمكين، والتجنيس، والتسهيم، والمقابلة، والتهذيب، والوصف.
«مقتطفات من تفسير سيد قطب في ظلال القرآن»
وننقل هنا فقراتٍ من تفسير شهيد الإسلام
«سيد قطب» عليه الرحمة والرضوان حيث قال ما نصه: «وعند هذا المقطع من قصة نوح يلتفت السياقُ لفتةً عجيبة، إلى استقبال مشركي قريش لمثل هذه القصة التي تشبه أن تكون قصَّتهم مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ودعواهم أن محمداً يفتري هذا القصص
﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ إِنِ افتريته فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تُجْرِمُونَ﴾ فالافتراء إجرام وعليَّ تبعته، وأنا أعرف أنه إجرام فمستبعدٌ أن أرتكبه، وهذا الاعتراضُ لا يخالف سياق القصة في القرآن لأنها إنما جاءت لتأدية غرض معيَّن، ثم يمضي السياقُ في قصة نوح يعرض مشهداً ثانياً، مشهد نوح يتلقى وحي ربه وأمره
﴿وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ أي برعايتنا وتعليمنا
﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ﴾ فقد