ليلة المعراج من عجائب الأرض والسماء إلا امتحاناً وابتلاءً لأهل مكة حيث كذبوا وكفروا وارتد بعض الناس لما أخبرهم بها قال البخاري عن ابن عباس: هي رؤيا عينٍ أُريها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليلةَ أُسريَ به وليست برؤيا منام ﴿والشجرة الملعونة فِي القرآن﴾ أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن وهي شجرة الزقوم إلا فتنةً أيضاً للناس قال ابن كثير: لما أخبرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه رأى الجنة والنار ورأى شجرة الزقوم كذبوا بذلك حتى قال أبو جهل متهكماً: هاتوا لنا تمراً وزُبْداً وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول: تزقّموا فلا نعلم الزقوم غير هذا ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ أي ونخوّف هؤلاء المشركين بأنواع العذاب والآيات الزاجرة فما يزيدهم تخويفنا إلا تمادياً وغياً واستمراراً على الكفر والضلال، فماذا تنفع معهم الخوارق؟ ما زادتهم خارقة الإِسراء والمعراج، ولا خارقة التخويف بشجرة الزقوم إلا استهزاءً وإمعاناً في الضلال، ثم أَشار تعالى إلى أن هذا الطغيان سببه إغواء الشيطان ولهذا ذكر قصته عقب ذلك فقال ﴿وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ﴾ أي أذكر يا محمد حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية وتكريم فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى افتخاراً على آدم واحتقاراً له ﴿قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ استفهامٌ إنكاري أي أأسجد أنا العظيم الكبير لهذا الضعيف الحقير الذي خلقته من الطين؟ كيف يصح للعالي أن يسجد للداني؟ ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ أي قال إبليس اللعين جراءةً على الربّ وكفراً به: أتُرى هذا المخلوق الذي فضَّلته عليَّ وجعلتَه أكرَم مني عندك؟ ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لئن أنظرتني وأبقيتني حياً إلى يوم القيامة لأستأصلنَّ ذريته بالإِغواء والإضلال قال الطبري: أقسم عدوُّ الله فقال لربه: لئن أخرتَ إهلاكي إلى يوم القيامة لأستأصلنَّهم ولأستميلنَّهم وأضلنَّهم إلا قليلاً منهم ﴿قَالَ اذهب فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً﴾ أي قال الرب جلَّ وعلا: إذهب فقد أنظرتُك وابذل جهدك فيهم فمن أطاعك من ذرية آدم فإن جزاءك وجزاءهم نارُ جهنم جزاء كاملاً وافراً لا ينقص لكم منه شيء قال القرطبي: والأمر في ﴿اذهب﴾ أمرُ إهانة والمعنى اجهد جهدك فقد أنظرناك ﴿واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ أي استخفف واستجهل وحرِّكْ من أردتَ أن تستفزَّه فتخدعه بدعائك إلى الفساد قال ابن عباس: صوتُه كلُّ داعٍ يدعو إلى معصية الله تعالى وقال مجاهد: صوته الغناء والمزامير واللهو ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ أي صِحْ عليهم بأعوانك وجنودك من كل راكبٍ وراجل قال الطبري: المعنى اجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من يصيح عليهم بالدعاء إلى طاعتك، والصرفِ عن طاعتي قال ابن عباس: خيلُه ورَجِله كلُّ راكبٍ وماشٍ في معصية الله تعالى وقال الزمخشري: الكلام واردٌ مورد التمثيل، مُثِّلَتْ حالُه في تسلطه على من يُغويه بفارسٍ مغوار أوقع على قومٍ فصوَّت بهم صوتاً يستفزهم عن أماكنهم، ويُقلقهم عن مراكزهم، وأجلبَ عليهم بجنده من خيَّالةٍ ورجَّالة حتى


الصفحة التالية
Icon