ظهور الدواب والسفن ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات﴾ أي من لذيذ المطاعم والمشارب قال مقاتل: السمن والعسل والزبد والتمر والحلوى وجعلنا رزق الحيوان التبن والعظام وغيرها ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ أي وفضلناهم على جميع من خلقنا من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات من الجن والبهائم والدواب والوحش والطير وغير ذلك ﴿يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ أي اذكر يوم الحشر حين ننادي كل إنسان بكتاب عمله ليسلَّم له وينال جزاءه، والإِمام الكتاب الذي سجل فيه عمل الإِنسان ويقوّيه ﴿وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ [يس: ١٢] قال ابن عباس: الإِمام ما عُمل وأُملي فكتب عليه، فمن بُعث متقياً لله جُعل كتابُه بيمينه فقرأه واستبشر ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ أي فمن أُعطي كتاب عمله بيمينه وهم السعداء أولو البصائر والنُّهى المتقون لله ﴿فأولئك يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ﴾ أي يقرءون حسناتهم بفرح واستبشار لأنهم أخذوا كتبهم بأيمانهم ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ أي ولا يُنقصون من أجور أعمالهم شيئاً ولو كان بمقدار الفتيل وهو الخيط الذي في شق النواة ﴿وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى﴾ أي ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب، لا يهتدي إلى الحق ولا إلى الخير ﴿فَهُوَ فِي الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ أي فهو في الآخرة أشدُّ عمىً وأشدُّ ضلالاً عن طريق السعادة والنجاة قال قتادة: من كان في هذه الدنيا أعمى عمًّا عايَنَ من نعم الله وخلقه وعجائبه، فهو فيما يغيب عنه من أمر الآخرة أشد عمى وأضلُّ طريقاً ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ أي وإن كان الحال والشأن أن المشركين قاربوا أن يصرفوك عن الذي أوحيناه إليك يا محمد من بعض الأوامر والنواهي ﴿لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ أي لتأتي بغير ما أوحاه إليك وتخالف تعاليمه ﴿وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً﴾ أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك صاحباً وصديقاً قال المفسرون: حاول المشركون محاولات كثيرة ليثنوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن المضي في دعوته منها: مساومتهم له أن يعبدوا إلهه مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم وما كان عليه آباؤهم، ومنها مساومة بعضهم أن يجعل أرضهم حراماً كالبيت العتيق الذي حرَّمه الله، ومنها طلب بعض الكبراء أن يجعل لهم مجلساً غير مجلس الفقراء، فعصمه الله من شرّهم وأخبر أنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره ﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ﴾ أي لولا أن ثبتاك على الحق بعصمتنا إياك ﴿لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ أي كدت تميل إليهم وتسايرهم على ما طلبوا ﴿إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾ أي لو ركَنْتَ إليهم لضاعفنا لك عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، لأن الذنب من العظيم جرمٌ كبير يستحق مضاعفة العذاب، والغرضُ من الآية بيانُ فضل الله على الرسول في تثبيته على الحق، وعصمته من الفتنة، ولو تخلى عن عصمته لمال إليهم بعض الشيء و ﴿لَوْلاَ﴾ حرف امتناع لوجود أي امتنع الركون إليهم لعصمته تعالى وتثبيته له، فليس في الآية ما يُنقص من قدر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإنما هي بيان لفضل الله العظيم على


الصفحة التالية
Icon