منها صنمٌ إلا خرَّ لوجهه ثم أمر بها فكسرت» ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وننزّل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب من أمراض الجهل والضلال، ويُذهب صدأ النفس من الهوى والدَّنس، والشُّح والحسد، وما هو رحمة للمؤمنين بما فيه من الإِيمان والحكمة والخير المبين ﴿وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَاراً﴾ أي ولا يزيد هذا القرآن الكافرين به عند سماعه إلا هلاكاً ودماراً لأنهم لا يصدقون به فيزدادون كفراً وضلالاً ﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ أي وإذا أنعمنا على الإِنسان بأنواع النعم من صحةٍ، وآمنٍ، وغنىً أعرض عن طاعة الله وعبادته، وابتعد عن ربه غروراً وكِبْراً ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشر كَانَ يَئُوساً﴾ أي وإذا أصابته الشدائد والمصائب أصبح يائساً قانطاً من رحمة الله، والآية تمثيلٌ لطغيان الإنسان فإن أصابته النعم بطر وتكبَّر، وإن أصابته الشدة أيس وقنط كقوله
﴿إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً﴾ [المعارج: ١٩ - ٢١] ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ﴾ أي كل واحدٍ يعمل على نهجه وطريقته في الهدى والضلال، فإن كانت نفس الإِنسان مشرقةً صافية صدرت عنه أفعال كريمة فاضلة، وإن كانت نفسه فاجرةً كافرة صدرت عنه أفعال سيئةٌ شرّيرة ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً﴾ أي ربكم أعلم بمن اهتدى إلى طريق الصواب وبمن ضلَّ عنه وسيجزي كل عاملٍ بعمله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ أي يسألك يا محمد الكفار عن الروح ما هي؟ وما حقيقتها؟ فقل لهم إنها من الأسرار الخفية التي لا يعلمها إلا ربُّ البرية ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي وما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا شيئاً قليلاً لأن علمكم قليل بالنظر إلى علم الله ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ أي لو أردنا لمحونا هذا القرآن الذي هو مِنَّةُ الرحمن من صدرك يا محمد فإن ذلك في قدرتنا ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾ أي لا تجد من يتوكل علينا باسترداده، وردّه إليك بعد ذهابه ﴿إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أي لكنْ رحمةً من ربك تركناه محفوظاً في صدرك وصدر أصحابك ﴿إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً﴾ أي فضل الله عليك عظيم حيث أنزل عليك القرآن، وأعطاك المقام المحمود، وجعلك خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين، والمقصود بالآية الامتنان على الرسول بالقرآن والتحذير له عن التفريط فيه، والخطاب له عليه السلام والمراد أمته ﴿قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ أي لو اتفق واجتمع أرباب الفصاحة والبيان من الإنس والجان وأرادوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن لما أطاقوا ذلك ولو تعاونوا وتساعدوا على ذلك جميعاً فإن هذا أمر لا يستطاع وليس بمقدور أحد ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي بيَّنا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم بالحقَّ بالآياتِ والعِبَر، والترغيب والترهيب ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي ومع البراهين القائمة والحجج الواضحة أبى أكثر الناس إلا جحوداً للحق وتكذيباً لله ورسوله.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة ﴿كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ الإِمام الذي يتقدم الناس في الصلاة وقد استعير هنا لكتاب الأعمال لأنه يرافق الإِنسان ويتقدمه يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon