استماع القرآن ويزيدهم تواضعاً لله قال الرازي: والفائدة في هذا التكرير اختلاف الحالين وهو خرورهم للسجود وفي حال كونهم باكين عند استماع القرآن ﴿قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن﴾ أي نادوا ربكم الجليل باسم ﴿الله﴾ أو باسم ﴿الرحمن﴾ ﴿أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى﴾ أي بأي هذين الإسمين ناديتموه فهو حسن لأن أسماءه جميعها حسنى وهذان منها قال المفسرون: سببها أن الكفار سمعوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يدعو (يا الله، يا رحمن) فقالوا إن كان محمد ليأمرنا بدعاء إله واحدٍ وها هو يدعو إلهين فنزلت الآية مبينة أنهما لمسمَّى واحد ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾ أي لا تجهر يا محمد بقراءتك في الصلاة فيسمعك المشركون فيسبوا القرآن ومن أنزله ولا تُسرَّ بقراءتك بحيث لا تسمع من خلفك ﴿وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً﴾ أي اقصد طريقاً وسطاً بين الجهر والمخافتة قال ابن عباس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يرفع صوته بالقراءة فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله فنزلت ﴿وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ أي الحمد لله الذي تنزَّه عن الولد ﴿وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك﴾ أي ليس له شريك في ألوهيته ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل﴾ أي ليس بذليل فيحتاج إلى الوليّ والنصير ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾ أي عظِّمْ ربك عظمةً تامة بلا ولد ولا شريك، وتنزيهه عن الحاجة إلى الولي والنصير، وهو العلي الكبير.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ ؟.
٢ - الالتفات من الغيبة إلى التكلم ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ اهتماماً بأمر الحشر.
٣ - الطباق بين ﴿وَمَن يَهْدِ... وَمَن يُضْلِلْ﴾ وبين ﴿مُبَشِّراً... وَنَذِيراً﴾ وبين ﴿تَجْهَرْ... وتُخَافِتْ﴾.
٤ - الجناس الناقص بين ﴿مَسْحُوراً﴾ و ﴿مَثْبُوراً﴾ لتغير بعض الحروف.
٥ - المقابلة اللطيفة ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾ مقابل قولة فرعون ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً﴾.
٦ - السجع الرصين الذي يزيد في جمال الأسلوب مثل ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً... مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ ومثل ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً... وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾.