للتقريع والتوبيخ ﴿لكنا هُوَ الله رَبِّي﴾ أي لكنْ أنا اعترف بوجود الله فهو ربي وخالقي ﴿وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾ أي لا أشرك مع الله غيره، فهو المعبودُ وحده لا شريك له ﴿ولولا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ الله﴾ أي فهلاّ حين دخلتَ حديقتك وأُعجبت بما فيها من الأشجار والثمار قلت: هذا من فضل الله، فما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن ﴿لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله﴾ أي لا قدرة لنا على طاعته إلا بتوفيقه ومعونته ﴿إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً﴾ أي قال المؤمن للكافر: إن كنت ترى أنني أفقر منك وتعتزعليَّ بكثرة مالك وأولادك ﴿فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ﴾ جواب الشرط أي إني أتوقع من صنع الله تعالى وإحسانه أن يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني جنةً خيراً من جنتك لإيماني به، ويسلب عنك نعمته لكفرك به ويخرّب بستانك ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السمآء﴾ أي يرسل عليها آفةً تجتاحها أو صواعق من السماء تدمّرها ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾ أي تصبح الحديقة أرضاً ملساء لا تثبت عليها قدم، جرداء لا نبات فيها ولا شجر ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً﴾ أي يغور ماؤها في الأرض فيتلف كل ما فيها من الزرع والشجر، وحينئذٍ لا تستطيع طلبّه فضلاً عن إعادته وردّه، وينتهي الحوار هنا وتكون المفاجأة المدهشة فيتحقَّق رجاءُ المؤمن بزاول النعيم عن الكافر وفجأة ينقلنا السياق من مشهد البهجة والازدهار إلى مشهد البوار والدمار ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ أي هلكت جنته بالكلية واستولى عليها الخراب والدمار في الزروع والثمار ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا﴾ أي يقلب كفيه ظهراً لبطن أسفاً وحزناً على ماله الضائع وجهده الذاهب قال القرطبي: أي يضرب إحدى يديه على الأخرى ندماً لأن هذا يصدر من النادم ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا﴾ أي مهشمة محطمة قد سقطت السقوف على الجدران فأصبحت خراباً يباباً ﴿وَيَقُولُ ياليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾ أي وهو نادم على إشراكه بالله يتمنى أن لم يكن قد كفر النعمة، ندم حين لا ينفع الندم قال تعالى ﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله﴾ أي لم تكن له جماعة تنصره وتدفع عنه الهلاك ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً﴾ أي وما كان بنفسه ممتنعاً عن انتقام الله سبحانه، فلم تنفعه العشيرة والولد حين اعتزّ وافتخر بهم وما استطاع بنفسه أن يدفع عنه العذاب ﴿هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق﴾ أي في ذلك المقام وتلك الحال تكون النصرة لله وحده لا يقدر عليها أحد فهو الوليُّ الحق الذي ينصر أولياءه ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً﴾ أي الله خير ثواباً في الدنيا والآخرة لمن آمن به، وهو خيرٌ عاقبةٌ لمن اعتمد عليه ورجاه ﴿واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض﴾ هذا مثلٌ آخر للدنيا وبهرجها الخادع يشبه مثل الجنتين في الفناء والزوال والمعنى اضرب يا محمد للناس مثل هذه الحياة في زوالها وفنائها وانقضائها بماءٍ نزل من السماء فخرج به النبات وافياً غزيراً وخالط بعضه بعضاً من كثرته وتكاثفه ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرياح﴾ أي صار النبات متكسراً من اليبس متفتتاً تنسفه الرياح ذات اليمين وذات الشمال ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً﴾ أي قادراً على الإِفناء والإِحياء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ﴿المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا﴾ أي الأموال والأولاد زينة هذه الحياة الفانية، ذاك مثلها وهذه زينتها والكل إلى فناء وزوال لا يغتر بها إلا الأحمق الجهول ﴿والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ أي أعمال الخير تبقى ثمرتها أبد الآباد فهي خير ما يؤملها الإنسان ويرجوه عند الله قال ابن عباس: الباقيات الصالحات هي