أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين} َ أي إلا انتظارهم أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب قُبُلاً﴾ أي يأتيهم عذاب الله عياناً ومقابلة ومعنى الآية أنه ما منعهم من الإيمان والاستغفار إلا طلبهم أن يشاهدوا العذاب الذي وُعدوا به عياناً ومواجهة كقولهم ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] ﴿وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ أي ما نرسل الرسل إلا لغرض التبشير والإِنذار لا للإِهلاك والدمار، مبشرين لأهل الإِيمان ومنذرين لأهل العصيان ﴿وَيُجَادِلُ الذين كَفَرُواْ بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق﴾ أي ومع وضوح الحق يجادل الكفار بالباطل ليغلبوا به الحق ويبطلوه فهم حين يطلبون الخوارق ويستعجلون العذاب لا يريدون الإيمان وإنما يستهزئون ويسخرون ﴿واتخذوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُواً﴾ أي أتخذوا القرآن وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاءً ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ أي لا أحد أظلمُ ممن وُعظ بآيات الله البينة، وحججه الساطعة، فتعامى عنها وتناساها ولم يُلقِ لها بالاً ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ أي نسي ما عمله من الجرائم الشنيعة، والأفعال القبيحة، ولم يتفكر في عاقبتها ﴿إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ أي جعلنا على قلوبهم أغطية تحول دون فقه هذا القرآن وإدراك أسراره، والانتفاع بما فيه من المواعظ والأحكام ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ أي وفي آذانهم صمماً معنوياً يمنعهم أن يسمعوه سماع تفهم وانتفاع ﴿وَإِن تَدْعُهُمْ إلى الهدى فَلَنْ يهتدوا إِذاً أَبَداً﴾ أي وإن دعوتهم إلى الإيمان والقرآن فلن يستجيبوا لك أبداً لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون، فللهدى قلوبٌ متفتحة مستعدة لقبول الإيمان وهؤلاء كالأنعام ﴿وَرَبُّكَ الغفور ذُو الرحمة﴾ أي وربك يا محمد واسع المغفرة عظيم الرحمة بالعباد مع تقصيرهم وعصيانهم ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب﴾ أي لو يعاقبهم بما اقترفوا من المعاصي والإجرام لعجَّل لهم عذاب الدنيا، ولكنه تعالى يمهلهم ويؤخر عنهم العذاب الذي يستعجلونه به رحمةً بهم، وقد جرت سنته بأن يمهل الظالم ولكن لا يهمله ﴿بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً﴾ أي لهم موعد آخر في القيامة يرون فيه الأهوال لن يجدوا لهم فيه ملجأ ولا منجى ﴿وَتِلْكَ القرى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ﴾ أي تلك هي أخبار الأمم السالفة والقرون الخالية كقوم هود وصالح ولوط وشعيب أهلكناهم حين ظلموا ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً﴾ أي جعلنا لهلاكهم وقتاً محدَّداً معلوماً، أفلا يعتبر هؤلاء المكذبون المعاندون؟ والآية وعيد وتهديد لكفار قريش قال ابن كثير: والمعنى احذروا أيها المشركون أن يصيبكم ما أصابهم فقد كذبتم أعظم نبيَّ وأشرف رسول، ولستم بأعزَّ علينا منهم فخافوا عذابي ونُذري ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين﴾ هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة الكريمة والمعنى اذكر حين قال موسى الكليم لفتاة «يوشع بن نون» لا أزال أسير وأتابع السير حتى أصل الى ملتقى بحر فارس وبحر الروم مما يلي جهة المشرق وهو مجمع البحرين ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾ أي أسير زماناً إلى أن أبلغ ذلك المكان ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ أي فلما بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين نسي «يوشع» أن يخبر موسى بأمر الحوت وما شاهده منه من الأمر


الصفحة التالية
Icon