موسى قال للخضر: قومٌ استطعمناهم فلم يطعمونا، وضِفناهم فلم يضيّفونا ثم قعدت تبني لهم الجدار لو شئتَ لاتخذت عليه أجراً} ﴿قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ أي قال الخضر: هذا وقت الفراق بيننا حسب قولك ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾ أي سأخبرك بحكمة هذه المسائل الثلاث التي أنكرتها عليَّ ولم تستطع عليها وفي الحديث
«رحم الله أخي موسى لوددت أنه صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما ولو لبث مع صاحبه لأبصر العجب» ﴿أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر﴾ هذا بيانٌ وتفصيل للأحداث العجيبة التي رآها موسى ولم يطق لها صبراً والمعنى أما السفينة التي خرقتها فكانت لأناس ضعفاء لا يقدرون على مدافعة الظَّلمة يشتغلون بها في البحر بقصد التكسب ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ أي أردتُ بخرقها أن أجعلها معيبة لئلا يغتصبها الملك الظالم ﴿وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ﴾ أي كان أمامهم ملك كافر ظالمٌ ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً﴾ أي يغتصب كل سفينة صالحة لا عيب فيها ﴿وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ أي وأما الغلام الذي قتلتُه فكان كافراً فاجراً وكان أبواه مؤمنين وفي الحديث «إِن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً» ﴿فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً﴾ أي فخفنا أن يحملهما حبُّه على اتّباعه في الكفر والضلال ﴿فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾ أي فأردنا بقتله أن يرزقهما الله ولداً صالحاً خيراً من ذلك الكافر وأقربَ براً ورحمة بوالديه ﴿وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المدينة وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا﴾ أي وأما الجدار الذي بنيتُه دون أجر والذي كان يوشك أن يسقط فقد خبئ تحته كنزٌ من ذهب وفضة لغلامين يتيمين ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً﴾ أي وكان والدهما صالحاً تقياً فحفظ الله لهما الكنز لصلاح الوالد قال المفسرون: إن صلاح الأباء ينفع الأبناء، وتقوى الأصول تنفع الفروع ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا﴾ أي فأراد الله بهذا الصنيع أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما من تحت الجدار ﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أي رحمةً من الله بهما لصلاح أبيهما ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أي ما فعلتُ ما رأيتَ من خرْقِ السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدارعن رأيي واجتهادي، بل فعلته بأمر الله وإلهامه ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾ أي ذلك تفسير التي لم تستطع الصبر عليها وعارضت فيها قبل أن أخبرك عنها.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الطباق بين ﴿مُبَشِّرِينَ.
. وَمُنذِرِينَ﴾
وبين ﴿نَسِيتُ.. وَأَذْكُرَ﴾.
٢ - اللف والنشر المرتَّب ﴿أَمَّا السفينة﴾ ﴿وَأَمَّا الغلام﴾ ﴿وَأَمَّا الجدار﴾ فقد جاء بها مرتبة بعد ذكر ركوب السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار بطريق اللف والنشر المرتب وهو من المحسنات البديعية.
٣ - الحذف بالإيجاز ﴿كُلَّ سَفِينَةٍ﴾ أي صالحةٍ خذف لدلالة لفظ «أعيبها» وكذلك حذف لفظ كافر من ﴿وَأَمَّا الغلام﴾ لدلالة قوله تعالى ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾.
٤ - التغليب ﴿أَبَوَاهُ﴾ المراد باللفظ أبوه وأمه.


الصفحة التالية
Icon