وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي تركنا الناس يوم قيام الساعة يضطرب بعضهم ببعض - لكثرتهم - كاضطراب موج البحر ﴿وَنُفِخَ فِي الصور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً﴾ أي ونفخ في الصور النفخة الثانية فجمعناهم للحساب والجزاء في صعيد واحدٍ جمعاً لم يتخلف منهم أحد ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً﴾ أي أبرزنا جهنم وأظهرناها للكافرين يوم جمع الخلائق حتى شاهدوها بأهوالها عرضاً مخيفاً مفزعاً ﴿الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي﴾ أي هم الذين كانوا في الدنيا عُمياً عن دلائل قدرة الله ووحدانيته فلا ينظرون ولا يتفكرون ﴿وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً﴾ أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى لظلمة قلوبهم قال أبو السعود: وهذا تمثيلٌ لإعراضهم عن الأدلة السمعية، وتعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فكأنهم عمْيٌ صم ﴿أَفَحَسِبَ الذين كفروا أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دوني أَوْلِيَآءَ﴾ الهمزة للإنكار والتوبيخ أي أفظنَّ الكافرون أن يتخذوا بعض عبادي آلهة يعبدونهم دوني كالملائكة وعزير والمسيح ابن مريم، وأن ذلك ينفعهم أو يدفع عنهم عذابي؟ قال القرطبي: جواب الاستفهام محذوف تقديره أفحسبوا أن ذلك ينفعهم، أولا أعاقبهم ﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً﴾ أي هيأنا جهنم وجعلناها ضيافةً لهم كالنُزُل المعد للضيف قال البيضاوي: وفيه تهكمٌ بهم وتنبيهٌ على أن لهم وراءها من العذاب ما تستتحق جهنم دونه ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء الكافرين هل نخبركم بأخسر الناس عند الله؟ ﴿الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا﴾ أي بطل عملهم وضاع في هذه الحياة الدنيا لأن الكفر لا تنفع معه طاعة قال الضحاك: هم القسيّسون والرهبان يتعبدون ويظنون أن عبادتهم تنفعهم وهي لا تقبل منهم ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ أي يظنون أنهم محسنون بأفعالهم ﴿أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أي كفروا بالقرآن وبالبعث والنشور فبطلت أعمالهم ﴿فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً﴾ أي لهم عند الله قيمةٌ ولا وزن، ولا قدرٌ ولا منزلة وفي الحديث «يُؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة» ﴿ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ واتخذوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً﴾ أي ذلك جزاؤهم وعقوبتهم نارُ جهنم بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي آمنوا بالله وعملوا بما يرضيه ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس نُزُلاً﴾ أي لهم أعلى درجات الفردوس منزلا ً ومستقراً ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ أي ماكثين فيها أبداً لا يطلبون عنها تحولاً قال ابن رواحة: في جنان الفردوس ليسَ يخافون: خُروجاً عنها ولا تحويلاً ﴿قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ هذا تمثيلٌ لسعة علم الله والمعنى لو كانت بحار الدنيا حبراً ومداداً وكتبت به كلمات الله وحكمه وعجائبه ﴿لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ أي لفني ماء البحر على كثرته وانتهى، وكلامُ الله لا ينفد لأنه غير متناهٍ كعلمه جل وعلا ﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾ أي ولو أتينا بمثل ماء البحر وزدناه به حتى يكثر فإن كلام الله لا يتناهى ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ أي قل لهم يا محمد إنما أنا إنسان