عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} أي هذه الجنة التي وصفنا أحوال أهلها هي التي نورثها لعبادنا المتقين ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ هذا من كلام جبريل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين احتبس عنه فترةً من الزمن والمعنى: ما نتنزَّل إلى الدنيا إلا بأمر الله وإِذنه ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك﴾ أي لله جل وعلا جميع الأمر، أمر الدنيا والآخرة، وهو المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة، فكيف نقدم على فعل شيء إلا بأمره وإِذنه؟ ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ أي لا ينسى شيئاً من أعمال العباد ﴿رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فاعبده﴾ أي هو ربُّ العوالم علويها وسفليها فاعبده وحده ﴿واصطبر لِعِبَادَتِهِ﴾ أي اصبر على تكاليف العبادة ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ أي هل تعلم له شبيهاً ونظيراً؟
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الكناية اللطيفة ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً﴾ كنَّى عن الذكر الحسن والثناء الجميل باللسان لأن الثناء يكون باللسان فلذلك قال ﴿لِسَانَ صِدْقٍ﴾ كما يكنى عن العطاء باليد.
٢ - الاستعارة ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ شبَّه المكانة العظيمة والمنزلة السامية بالمكان العالي بطريق الاستعارة.
٣ - المبالغة ﴿صِدِّيقاً نَّبِيَّاً﴾ أي مبالغاً في الصدق.
٤ - الإشارة بالبعيد لعلو المرتبة ﴿أولئك الذين أَنْعَمَ﴾ فما فيه من معنى البعد للإشادة بعلو رتبهم وبُعد منزلتهم في الفضل.
٥ - الجناس الناقص ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ لتغير الحركات والشكل.
٦ - الطباق ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾ وبين ﴿بُكْرَةً.. وَعَشِيّاً﴾.
٧ - السجع الحسن الرصين ﴿عَلِيّاً، حَفِيّاً، نَّبِيَّاً﴾.
فائِدَة: في قول إبراهيم عليه السلام «يا أبتٍ» تلطفٌ واستدعاء، والتاء عوضٌ عن ياء الإضافة لأن أصله «يا أبي» ولهذا لا يُجمع بينهما.
تنبيه: ذكر السيوطي في التحبير أن إبراهيم عليه السلام عاش من العمر مائة وخمساً وسبعين سنة، وبينه وبين آدم ألفا سنة، وبينه وبين نوح ألف سنة، ومنه تفرعت شجرة الأنبياء.


الصفحة التالية
Icon