نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} أي ومن الأرض نخرجكم مرة أخرى للبعث والحساب.. ثم أخبر تعالى عن عتوٍّ فرعون وعناده فقال ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا﴾ أي والله لقد بصَّرنْا فرعون بالمعجزات الدالة على نبوّة موسى من العصا، واليد، والطوفان، والجرائد، وسائر الآيات التسع ﴿فَكَذَّبَ وأبى﴾ أي كذَّب بها مع وضوحها وزعم أنها سحر، وأبى الإيمان والطاعة لعتوِّه واستكباره ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى﴾ أي قال فرعون: أجئتنا يا موسى بهذا السحر لتخرجنا من أرض مصر؟ ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ﴾ فلنعارضنَّك بسحرٍ مثل الذي جئت به ليظهر للناس أنك ساحر ولستَ برسول ﴿فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً﴾ أي عيِّنْ لنا وقت اجتماع ﴿لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى﴾ أي لا نخلف ذلك الوعد لا من جهتنا ولا من جهتك ويكون بمكان معيَّن ووقت معَّين ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى﴾ أي قال موسى: موعدنا للاجتماع يوم العيد - يومٌ من أيام أعيادهم - وأن يجتمع الناس في ضحى ذلك النهار قال المفسرون: وإنما عيَّن ذلك اليوم للمبارزة ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد، ويشيع ذلك في الأقطار بظهور معجزته للناس ﴿فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتى﴾ أي انصرف فرعون فجمع السَّحرة ثم أتى الموعد ومعه السَّحرة وأدواتهم وما جمعه من كيد ليطفئ نور الله قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل ساحر منهم حبال وعصيّ ﴿قَالَ لَهُمْ موسى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ أي قال موسى للسحرة لما جاء بهم فرعون: ويلكم لا تختلقوا على الله الكذب فيهلككم ويستأصلكم بعذاب هائل ﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى﴾ أي خسر وهلك من كذب على الله.
. قدَّم لهم النصح والإنذار لعلَّهم يثوبون إلى الهُدى، ولما سمع السَّحرة منه هذه المقالة هالهم ذلك ووقعتْ في نفوسهم مهابته ولذلك تنازعوا في أمره ﴿فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ النجوى﴾ أي أختلفوا في أمر موسى فقال بعضهم: ما هذا بقول ساحر وأخفوا ذلك عن الناس وأخذوا يتناجون سراً ﴿قالوا إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا﴾ أي قالوا بعد التناظر والتشاور ما هذان إلاّ ساحران يريدان الاستيلاء على أرض مصر وإخراجكم منها بهذا السحر ﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى﴾ أي غرضُهما إفسادُ دينكم الذي أنتم عليه والذي هو أفضل المذاهب والأديان قال الزمخشري: والظاهر أنهم تشاوروا في السرِّ وتجاذبوا أهداب القول ثم قالوا ﴿إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ﴾ فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره خوفاً من غلبة موسى وهارون لهما وتثبيطاً للناس من اتباعهما ﴿فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائتوا صَفّاً﴾ أي أحْكموا أمركم وأعزموا عليه ولا تتنازعوا وارموا عن قوسٍ واحدة، ثم ائتوا إلى الميدان مصطفين ليكون أهيب في صدور الناظرين ﴿وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى﴾ أي فاز اليوم من علا وغلب قال المفسرون: أرادوا بالفلاح ما وعدهم به فرعون من الإنعامات العظيمة والهدايا الجزيلة مع التقريب والتكريم كما قال تعالى ﴿قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين﴾ [الأعراف: ١١٣ - ١١٤] ﴿قَالُواْ ياموسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى﴾ أي


الصفحة التالية
Icon