أَنتَ قَاضٍ} أي فاصنع ما أنت صانع ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ﴾ أي إنما ينفذ أمرك في هذه الحياة الدنيا وهي فانية زائلة ورغبتنا في النعيم الخالد قال عكرمة: لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة فلذلك قالوا ما قالوا ﴿إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا﴾ أي آمنا بالله ليغفر لنا الذنوب التي اقترفناها وما صدر منا من الكفر والمعاصي ﴿وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر﴾ أي ويغفر لنا السحر الذي عملناه لإِطفاء نور الله ﴿والله خَيْرٌ وأبقى﴾ أي والله خيرٌ منك ثواباً وأبقى عذاباً، وهذا جوابُ قوله ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى﴾ ﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ﴾ هذا من تتمة كلام السحرة عظةً لفرعون أي من يلقى ربه يوم القيامة وهو مجرمٌ باقترافه المعاصي وموته على الكفر، فإن له نار جهنم ﴿لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى﴾ أي لا يموت في جهنم فينقضي عذابه، ولا يحيا حياة طيبة هنيئة ﴿وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات﴾ أي ومن يلقى ربه مؤمناً موحّداً وقد عمل الطاعات وترك المنهيات ﴿فأولئك لَهُمُ الدرجات العلى﴾ أي فأولئك المؤمنون العاملون للصالحات لهم المنازل الرفيعة عند الله ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ بيانٌ للدرجات العُلى أي جناتُ إقامة ذات الدرجات العاليات، والغُرف الآمنات، والمساكن الطيبات ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي تجري من تحت غرفها وسُرُرها أنهار الجنة من الخمر والعسل، واللَّبن، والماء
﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ [النساء: ٥٧] أي ماكثين في الجنة دوماً لا يخرجون منها أبداً ﴿وذلك جَزَآءُ مَن تزكى﴾ أي وذلك ثواب من تطهَّر من دنسْ الكفر والمعاصي، وفي الحديث «الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس»
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستعارة ﴿واصطنعتك لِنَفْسِي﴾ شبَّه ما خوَّله به من القرب والاصطفاء بحال من يراه الملك أهلاً للكرامة وقرب المنزلة لما فيه من الخلال الحميدة فيصطنعه لنفسه، ويختاره لخلَّته، ويصطفيه لأموره الجليلة واستعار لفظ اصطنع لذلك، ففيه استعارةً تبعية.
٢ - المقابلة اللطيفة ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ حيث قابل بين ﴿مِنْهَا﴾ و ﴿وَفِيهَا﴾ وبين الخلق والإعادة وهذا من المحسنات البديعية.
٣ - إيجاز حذف ﴿بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ﴾ أي فألقوا فإذا حبالهم حذف لدلالة المعنى عله ومثله ﴿فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّداً﴾ بعد قوله ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ﴾ حذف منه كلام طويل وهو فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا من السحر فاُلقي السحرة سجداً، وإنما حسن الحذف لدلالة المعنى عليه ويسمى إيجاز حذف.
٤ - الطباق بين ﴿يَمُوتُ.. يحيى﴾ وبين ﴿نُعِيدُ.. ونُخْرِجُ﴾.
٥ -


الصفحة التالية
Icon