أفلا يعلمون أن العجل لاذي زعموا أنه إلههم لا يردُّ لهم جواباً، ولا يقدر أن يدفع عنهم ضراً أو يجلب لهم نفعاً فكيف يكون إلهاً؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ﴾ أي قال لهم هارون ناصحاً ومذكراً من قبل رجوع موسى إليهم: إنما ابْتُليتُم وأُضللتم بهذا العجل ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أَمْرِي﴾ أي وإنَّ ربكم المستحقَّ للعبادة هو الرحمن لا العجل، فاقتدوا بي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، وأطيعوا أمري بترك عبادة العجل ﴿قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى﴾ أي قالوا لن نزال مقيمين على عبادة العجل حتى يعود إلينا موسى فنظر في الأمر ﴿قَالَ ياهرون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ﴾ ؟ في الكلام حذفٌ أي فلما رجع موسى ووجدهم عاكفين على عبادة العجل امتلأ غضباً لله وأخذ برأس أخيه هارون يجره إليه وقال له: أيُّ شيء منعك حين رأيتهم كفروا بالله أن لا تتبعني في الغضب لله والإنكار عليهم والزجر لهم عن ذلك الضلال؟ ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ أي أخالفتني وتركت أمري ووصيتي؟ قال المفسرون: وأمرهُ هو ما كان أوصاه به فيما حكاه تعالى عنه
﴿وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين﴾ [الأعراف: ١٤٢] ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ أي قال له هارون استعطافاً وترقيقاً: يا ابن أمي - أي يا أخي - لا تأخذ بلحيتي ولا بشعر رأسي قال ابن عباس: أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله من شدة غيظه وفرط غضبه لأن الغيْرة في الله ملكتْه ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ﴾ أي إني خفت إن زجرتُهم بالقوة أن يقع قتالٌ بينهم فتلومني على ذلك وتقول لي: لقد أشعلتَ الفتنة بينهم ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ أي لم تنتظرْ أمري فيهم، فمن أجل ذلك رأيتُ ألاّ أفعل شيئاً حتى ترجع إليهم لتتدارك الأمر بنفسك قال ابن عباس: وكان هارون هائباً مطيعاً له ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ ياسامري﴾ أي ما شأنك فيما صنعت؟ وما الذي حملك عليه يا سامري؟ ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ﴾ أي قال السامريُّ: رأيتُ ما لم يروه وهو أن جبريل جاءك على فرس الحياة فأُلقي في نفسي أن أقبض من أثره قبضة فما ألقيتُه على شيءٍ إلا دبَّت فيه الحياة ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول فَنَبَذْتُهَا﴾ أي قبضت شيئاً من أثر فرس جبريل فطرحتها على العجل فكان له خوار ﴿وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ أي وكذلك حسَّنتْ وزيَّنتْ لي نفسي ﴿قَالَ فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ﴾ أي قال موسى للسامريّ: عقوبتك في الدنيا ألاّ تمسَّ أحداً ولا يمسَّك أحد قال الحسن: جعل الله عقوبة السامري ألا يماسَّ الناسَ ولا يمسّوه عقوبة له في الدنيا وكأنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ شدَّّد عليه المحنة ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ﴾ أي وإنَّ لك موعداً للعذاب في


الصفحة التالية
Icon