القهار جبار السماوات والأرض الذي لا يموت قال الزمخشري: المراد بالوجوه وجوهُ العصاة وأنهم إذا عاينوا يوم القيامة الخبية والشقوة وسوء الحساب، صارت وجوهُهم عانيةً أي ذليلة خاضعة مثل وجوه العُناة وهم الأسارى كقوله
﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ﴾ [الملك: ٢٧] ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً﴾ أي خسر من أشرك بالله، ولم ينجح ولا ظفر بمطلوبه ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي من قدَّم الأعمال الصالحة بشرط الإيمان ﴿فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً﴾ أي فلا يخاف ظلماً بزيادة سيئاته، ولا بخساً ونقصاً لحسناته ﴿وكذلك أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي مثل إنزال الآيات المشتملة على القصص العجيبة أنزلنا هذا الكتاب عليك يا محمد بلغة العرب ليعرفوا أنه في الفصاحة والبلاغة خارج عن طوق البشر ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد﴾ أي كررنا فيه الإنذار والوعيد ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً﴾ أي كي يتقوا الكفر والمعاصي أو يحدث لهم موعظة في القلوب ينشأ عنها امتثال الأوامر واجتناب النواهي ﴿فتعالى الله الملك الحق﴾ أي جلَّ الله وتقدَّس الملك الحق الذي قهر سلطانه كل جبار عمّا يصفه به المشركون من خلقه ﴿وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ أي إذا أقراك جبريل القرآن فلا تتعجل بالقراءة معه، بل استمعْ إليهِ واصبر حتى يفرغَ من تلاوته وحينئذٍ تقرأه أنت قال ابن عباس: كان عليه السلام يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي حرصاً على حفظ القرآن ومخافة النسيان فنهاه الله عن ذكل قال القرطبي: وهذا كقوله تعالى
﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: ١٦] ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ أي سلْ الله عَزَّ وَجَلَّ زيادة العلم النافع قال الطبري: أمره بمسألته من فوائد العلم ما لا يعلم ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلىءَادَمَ مِن قَبْلُ﴾ أي وصيناه أن لا يأكل من الشجرة من القديم ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ أي نسي أمرنا ولم نجد له حزماً وصبراص عمّا نهيناه عنه ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى﴾ يذكر تعالى تشريف آدم وتكريمه وما فضله به على كثير من الخلق أي واذكر يا محمد حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم سجود تحيةٍ وتكريم فامتثلوا الأمر إلا إبليس فإنه أبى السجود وعصى أمر ربه قال الصاوي: كررت هذه القصة في سبع سور من القرآن تعليماً للعباد امتثال الأوامر، واجتناب النواهي وتذكيراً لهم بعداوة إبليس لأبيهم آدم ﴿فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ أي ونبهنا آدم فقلنا له إن إبليس شديد العداوة لك ولحواء ﴿فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى﴾ أي لا تطيعاه فيكون سبباً لإخراجكما من الجنة فتشقيان، وإنما اقتصر على شقائه مراعاةُ للفواصل ولاستلزام شقائه لشقائها قال ابن كثير: المعنى إيّاك أن تسعى ف إخراجك من الجنة فتتعب وتشقى في طلب رزقك، فإنك هاهنا في عيشٍ رغيدٍ، بلا كلفةٍ ولا مشقة ﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى﴾ أي إنَّ لك يا آدم ألاَّ ينالك في الجنة الجوعُ ولا العريُ ﴿وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى﴾ أي ولك أيضاً ألاّ يصيبك العطش فيها ولا حر الشمس، لأن الجنة دار السرور والحبور، لا تعب فيها ولا نصب، ولا حر ولا ظمأ بخلاف دار الدنيا ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان﴾ أي حدَّثه خفيةً بطريق الوسوسة {قَالَ ياآدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ


الصفحة التالية
Icon