آلهة غير الله لفسد نظام الكون كله لما يحدث بين الآلهة من الاختلاف والتنازع في الخلق والتدبير وقصد المغالبة، ألا ترى أنه لا يوجد ملِكان في مدينة واحدة، ولا رئيسان في دائرة واحدة؟ ﴿فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي تنزّه الله الواحد الأحد خالق العرش العظيم عما يصفه به أهل الجهل من الشريك والزوجة والولد ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ أي لا يسأل تعالى عمّا يفعل لأنه مالك كل شيء والمالك يفعل في ملكه ما يشاء، ولأنه حكيمٍ فأفعاله كلُّها جارية على الحكمة، وهم يُسألون عن أعمالهم لأنهم عبيد ﴿أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾ كرَّر هذا الإنكار اسمتعظاماً للشرك ومبالغة في التوبيخ أي هل اتخذوا آلهة من دون الله تصلح للعبادة والتعظيم؟ ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ أي قل يا محمد لأولئك المشركين ائتوني بالحجة والبرهان على ما تقولون ﴿هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ أي هذا الكتاب الذي معي والكتب التي من قبلي كالتوراة والإنجيل ليس فيها ما يقتضي الإشراك بالله، ففي أي كتابٍ نزل هذا؟ في القرآن أم في الكتب المنزّلة على سائر الأنبياء؟! فما زعمتموه من وجود الآلهة لا تقوم عليه حجة لا من جهة العقل ولا النقل، بل كتب الله السابقة شاهدة بتنزيهه عن الشركاء والأنداد ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق فَهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ أي بل أكثر المشركين لا يعلمون التوحيد فهم معرضون عن النظر والتأمل في دلائل الإِيمان.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التنكير في غفلة للتعظيم والتفخيم ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾.
٢ - صيغة المبالغة ﴿السميع العليم﴾.
٣ - الإضراب الترقي ﴿بَلْ قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ وهذا الاضطراب في وصف القرآن يدل على التردُّد والتحير في تزويرهم للحق الساطع المنيرفقولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني.
٤ - الإنكار التوبيخي ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ؟
٥ - التشبيه البليغ ﴿حَصِيداً خَامِدِينَ﴾ أي جعلناهم كالزرع المحصود وكالنار الخامدة. ٦ - الاستعارة التمثيلية ﴿بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ﴾ شُبّه الحق بشيء صَلب والباطل تشيء رخو واستعير لفظ القذف والدمغ لغلبة الحق على الباطل بطريق التمثيل فكأنه رمي بجرم صلب على رأس دماغ الباطل فشقّه وفي هذا التعبير مبالغة بديعة في إِزهاق الباطل.
٧ - طباق السلب ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾.
٨ -


الصفحة التالية
Icon