فِعْلَ الخيرات} أي أوحينا إِليهم أن يفعلوا الخيرات ليجمعوا بين العلم والعمل ﴿وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتَآءَ الزكاة﴾ أي وأمرناهم بطريق الوحي بإِقامة الصلاة وإِيتاء الزكاة، وإِنما خصهما بالذكر لأن الصلاة أفضلُ العبادات البدنية، والزكاة أفضلُ العبادات المالية ﴿وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ﴾ أي موحدين مخلصين في العبادة ﴿وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ أي وأعطينا لوطاً النبوة والعلم والفهم السديد قال ابن كثير: كان لوط قد آمن بإِبراهيم عليه السلام واتَّبعه وهاجر معه كما قال تعالى
﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي﴾ [العنكبوت: ٢٦] فآتاه الله حُكماً وعلماً وأوحى إِليه وجعله نبياً وبعثه إلى «سدوم» فكذبوه فأهلكهم الله ودمَّر عليهم كما قصّ خبرهم في غير موضع من كتابة العزيز ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ القرية التي كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث﴾ أي خلَّصناه من أهل قرية سدوم الذين كانواْ يعملون الأعمال الخبيثة كاللواط وقطع السبيل وغير ذلك ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ أي كانوا أشراراً خارجين عن طاعة الله ﴿وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ الصالحين﴾ أي أدخلناه في أهل رحمتنا لأنه من عبادنا الصالحين ﴿وَنُوحاً إِذْ نادى مِن قَبْلُ﴾ أي واذكر قصة نوح حين دعا على قومه من قبل هؤلاء الأنبياء المذكورين، دعا عليهم بالهلاك حين كذبوه بقوله ﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً﴾ [نوح: ٢٦] ﴿فاستجبنا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم﴾ أي استجبنا دعاءه فأنقذناه ومن معه من المؤمنين - ركاب السفينة - من الطوفان والغرق الذي كان كرباً وغماً شديداً يكاد يأخذ بالأنفاس ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي منعناه من شر قومه المكذبين فنجيناه وأهلكناهم ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي كانوا منهمكين في الشرّ فأغرقناهم جميعاً ولم نُبْق منهم أحداً ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث﴾ أي واذكر قصة داود وسليمان حين يحكمان في شأن الزرع ﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم﴾ أي وقت رعت فيه غنم القوم ليلاً فأفسدته ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ أي كنا مطَّلعين على حكم كلٍ منهما عالمين به ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ أي علمنا وألهمنا سليمان الحكم في القضية ﴿وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ أي وكلاً من داود وسليمان أعطيناه الحكمة والعلم الواسع مع النبوة قال المفسرون: تخاصم إلى داود رجلان دخلت غنم أحدهما على زرع الآخر بالليل فأفسدته فلم تُبق منه شيئاً، فقضى بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم، فخرج الرجلان على سليمان وهو الباب فأخبراه بما حكم به أبوه فدخل عليه فقال: يا نبيَّ الله لو حكمتَ بغير هذا كان أرفق للجميع! قال: وما هو؟ قال: يأخذ صاحب الغنم الأرض فيصلحها ويبذرها حتى يعود زرعها كما كان، ويأخذ صاحب الزرع الغنم وينتفع بألبانها وصوفها ونسلها، فإذا خرج الزرع رُدَّت الغنم إلى صاحبها والأرض إلى ربها فقال له داود: وُفّقت يا بُنيَّ وقضى بينهما بذلك فذلك قوله تعالى ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ والطير﴾ أي جعلنا الجبال والطير تسبّح مع داود إذا سبّح قال ابن كثير: وذلك لطيب صوته بتلاوة الزبور فكان إِذا ترنّم بها تقف الطير في الهواء فتجاوبه وتردُّ عليه الجبال تأويباً وإِنما قدَّم ذكر الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإعجاز لأنها جماد ﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ أي وكنا قادرين على فعل ذلك ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ﴾ أي علمنا داود صنع