يعبدون الله عن ثقة ويقين بل عن قلق واضطراب كالذي يكون على طرف من الجيش فإن أحسَّ بظفر أو غنيمة استقر وإلا فرَ قال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه وقال ابن عباس: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خليه قال: هذا دين سوء ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ﴾ أي فإن ناله خير في حياته من صحةٍ ورخاء أقام على دينه ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ﴾ أي وإن ناله شيء يفتتن به من مكروه وبلاء ارتد فرجع إلى ما كان عليه من الكفر ﴿خَسِرَ الدنيا والأخرة﴾ أي أضاع دنياه وآخرته فشقي الشقاوة الأبدية ﴿ذلك هُوَ الخسران المبين﴾ أي ذلك هو الخسران الواضح الذي لا خسران مثله ﴿يَدْعُو مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ﴾ أي يعبد الصنم الذي لا ينفع ولا يضر ﴿ذلك هُوَ الضلال البعيد﴾ أي ذلك هو نهاية الضلال الذي لا ضلال بعده، شبه حالهم بحال من أبعد في التيه ضالاً عن الطريق ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ﴾ أي يعبد وثناً أو صنماً ضره في الدنيا بالخزي والذل أسرع من نفعه الذي يتوقعه بعبادته وهو الشفاعة له يوم القيامة، وقيل: الآية على الفرض والتقدير: أي لو سلمنا نفعه أو ضره لكان ضره أكثر من نفعه، والآية سيقت تسفيهاً وتجهيلاً لمن يعتقد أنه ينتفع بعبادة غير الله حين يستشفع بها ﴿لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير﴾ أي بئس الناصر وبئس القريب والصاحب ﴿إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ لما ذكر حال المشركين وحال المنافقين المذبذبين ذكر حال المؤمنين في الآخرة والمعنى إن الله يدخل المؤمنين الصادقين جنات تجري من تحت قصورها وغرفها أنهار اللبن والخمر والعسل وهم في روضات الجنات يحبرون ﴿إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ أي يثيب من يشاء ويعذب من يشاء لا معقب لحكمه، فللمؤنين الجنة بفضله، وللكافرين النار بعدله ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة﴾ أي من كان يظن أن لن ينصر الله رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الدنيا والآخرة ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السمآء ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ أي فليمدد بحبل إلى السقف ثم ليقطع عنقه وليختنق به ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ أي فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيظ؟ قال ابن كثير: وهذا القول قول ابن عباس وهو أظهر في المعنى وأبلغ في التهكم فإن المعنى: من كان يظنُّ أنَّ الله ليس بناصر محمداً وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة ﴿وكذلك أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي ومثل ذلك الإنزال البديع المنطوي على الحكم البالغة أنزلنا القرآن الكريم كله آيات واضحات الدلالة على معانيها الرائقة ﴿وَأَنَّ الله يَهْدِي مَن يُرِيدُ﴾ أي وأن الله هو الهادي لا هادي سواه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ﴾ أي صدقوا الله ورسوله وهم أبتاع محمد عليه السلام ﴿والذين هَادُواْ﴾ أي اليهود وهم المنتسبون إلى موسى عليه السلام ﴿والصابئين﴾ هم قوم يعبدون النجوم ﴿والنصارى﴾ هم


الصفحة التالية
Icon