من مكة إلى المدينة بغير حق ﴿إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله﴾ أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله ولم يشركوا به أحداً ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ أي لولا ما شرعه الله من الجهاد وقتال الأعداء لاستولى أهل الشرك على أهل الأديان وتعطلت الشعائر ولكنه تعالى دفع شرهم بأن أمر بقتالهم ﴿لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ﴾ أي لتهدمت معابد الرهبان وكنائس النصارى ﴿وَصَلَوَاتٌ﴾ أي كنائس اليهود ﴿وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً﴾ أي ومساجد المسلمين التي يعبد فيها الله بكرة وأصيلاً، ومعنى الآية أنه لولا كفُّه تعالى المشركين بالمسلمين، وإِذنه بمجاهدة المسلمين للكافرين لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمانهم فهدموا موضع عباداتهم، ولم يتركوا للنصارى بيعاً، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود كنائس، ولا للمسلمين مساجد، ولغلب المشركون أهل الأديان، وإنما خص المساجد بهذا الوصف ﴿يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً﴾ تعظيماً لها وتشريفاً لأنها أماكن العبادة الحقة ﴿وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ﴾ قسمٌ أي والله سينصر الله من ينصر دينه ورسوله ﴿إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أي إنه تعالى قادر لا يعجزه شيء، عزيزٌ لا يُقهر ولا يغلب قال ابن كثير: وصف نفسه بالقوة والعزة، فبقوته خلق كل شيء، وبعزته لا يقهره قاهر ولا يغلبه غالب ﴿الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة﴾ قال ابن عباس: هم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان، والمعنى: هؤلاء الذين يستحقون نصرة الله هم الذين إن جعلنا لهم سلطاناً في الأرض وتملكاً واستعلاء عبدوا الله وحافظوا على الصلاة وأداء الزكاة ﴿وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر﴾ أي دعوا إلى الخير ونهوا عن الشر ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور﴾ أي مرجع الأمور إلى حكمة تعالى وتقديره ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ﴾ تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووعيد للمشركين أي إن كذبك أهل مكة فاعلم إنك لست أول رسول يكذبه قومه فقد كان قبلك أنبياء كُذبوا فصبروا إلى أهلك الله المكذبين، فاقتد بهم واصبر ﴿وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ﴾ أي وكذب قوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب ﴿وَكُذِّبَ موسى﴾ أي وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته، وعظم معجزاته فما ظنك بغيره؟ ﴿فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ أي أمهلتهم ثم أخذتهم بالعقوبة ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ استفهام تقريري أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعذاب ألم يكن أليما ً؟ ألم أبدلهم بالنعمة نقمة، وبالكثرة قلة، وبالعمارة خراباً؟ فكذلك أفعل بالمكذبين من أهل مكة ﴿فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ أي كم من قرية أهلكنا أهلها بالعذاب الشامل ﴿وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ أي وهي مشركة كافرة ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا﴾ أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف فهي مخربة مهدمة ﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾ أي وكم من بئر عطلت فتركت لا يستقى منها لهلاك أهلها ﴿وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ أي وكم من قصر مفرفوع البنيان أصبح خالياً بلا ساكن، أليس في ذلك عبرة للمعتبر؟ ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ﴾ أي أفلم يسافر أهل مكة ليشاهدوا مصارع الكفار فيعتبروا بما حل بهم من النكال والدمار! ﴿وهلاّ عقلوا ما يجب أن يُعقل من الإِيمان والتوحيد﴾ ﴿أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ أي أو تكون لهم آذانٌ يسمعون بها المواعظ والزواجر {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار