ولهذا قال ﴿فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي جَنَّاتِ النعيم﴾ أي فالذين صدقوا الله ورسوله وفعلوا صالح الأعمال لهم النعيم المقيم في جنات الخلد ﴿والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا فأولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أي والذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسله لهم العذاب المخزي مع الإِهانة والتحقير في دار الجحيم ﴿والذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي تركوا الأوطان والديار ابتغاء مرضاة الله وجاهدوا لإِعلاء كلمة الله ﴿ثُمَّ قتلوا أَوْ مَاتُواْ﴾ أي قتلوا في الجهاد أو ماتوا على فرشهم ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً﴾ أي ليعطينهم نعيماً خالداً لا ينقطع أبداً وهو نعيم الجنة ﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين﴾ أي هو تعالى خير من أعطى فإنه يرزق بغير حساب ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ﴾ أي ليدخلنهم مكاناً يرضونه وهو الجنة التي فيها ملا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ أي عليم بدرجات العاملين حليم عن عقابهم ﴿ذلك وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ أي جازى الظالم بمثل ما ظلمه ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله﴾ أي ثم اعتدى الظالم عليه ثانياً لينصرن الله ذلك المظلوم ﴿إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ أي مبالغ في العفو والغفران، وفيه تعريض بالحث على العفو والصفح، فإنه تعالى مع كمال قدرته على الانتقام يعفو ويغفر فغيره أولى بذلك ﴿ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل﴾ أي ذلك النصر بسبب أن الله قادر، ومن آيات قدرته إيلاج الليل في النهار أي أنه يدخل كلاً منهما في الآخر.
بأن ينقص من الليل فيزيد في النهار وبالعكس وهذا مشاهد ملموس في الصيف والشتاء ﴿وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ أي سميع لأقوال عباده بصير بأحوالهم لا تخفى عليه خافية ﴿ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق﴾ أي ذلك بأن الله هو الإِله الحق ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل﴾ أي وأن الذي يدعوه المشركون من الأصنام والأوثان هو الباطل الذي لا يقدر على شيء ﴿وَأَنَّ الله هُوَ العلي الكبير﴾ أي هو العالي على كل شيء ذو العظمة والكبرياء فلا أعلى منه ولا أكبر.
الَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - صيغة المبالغة ﴿خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ لأن فعال وفعول من صيغ المبالغة.
٢ - الحذف لدلالة السياق عليه ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ أي أُذن بالقتال للذين يقاتلون.
٣ - تأكيد المدح بما يشبه الذم ﴿إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله﴾ أي لا ذنب لهم إلا هذا.
٤ - المقابلة اللطيفة بين ﴿فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ وبين ﴿والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أولئك أَصْحَابُ الجحيم﴾.
٥ - جناس الاشتقاق ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ﴾.
٦ - الطباق بين ﴿يَنسَخُ.. ثُمَّ يُحْكِمُ﴾.
٧ - الاستعارة البديعة ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ وهذا من أحسن الاستعارات لأن العقيم المرأة التي لا تلد، فكأنه سبحانه وصف ذلك اليوم بأنه لا ليل بعده ولا نهار لأن الزمان قد مضى، والتكليف قد انقضى، فجعلت الأيام بمنزلة الولدان لليالي، وجعل ذلك اليوم من بينها عقيماً على طريق الاستعارة.


الصفحة التالية
Icon