ليس عندهم به علم من جهة العقل وإنما هو مجرد التقليد الأعمى للأباء ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ أي ليس لهم ناصر يدفع عنهم عذاب الله ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي وإذا تليت على هؤلاء المشركين آيات القرآن الواضحة الساطعة وما فيها من الحجج القاطعة على وحدانية الله ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر﴾ أي ترى في وجوه الكفار الإِنكار بالعبوس والكراهة ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ بالذين يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتنا﴾ أي يكادون يبطشون بالمؤمنين الذين يتلون عليهم القرآن ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار﴾ أي قل لهم: هل أخبركم بما هو أسوأ أو أشنع من تخويفكم للمؤمنين وبطشكم بهم؟ إنه نار جهنم وعذابها ونكالها ﴿وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ﴾ أي وعدها الله للكافرين المكذبين بآياته ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ أي بئس الموضع الذي يصيرون إليه ﴿ياأيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ﴾ أي يا معشر المشركين ضرب الله مثلاً لما يعبد من دون الله من الأوثان والأصنام فتدبروه حق التدبر واعقلوا ما يقال لكم ﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجتمعوا لَهُ﴾ أي إنَّ هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله لن تقدر على خلق ذبابة على ضعفها وإن اجتمعت على ذلك، فكيف يليق بالعاقل جعلها آلهة وعبادتها من دون الله} قال القرطبي: وخص الذباب لأربعة أمور: لمهانته، وضعفه، ولاستقذاره، وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوهم من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلة معبودين، وأرباباً مطاعين؟ وهذا من أقوى الحجة وأوضح البرهان ﴿وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي لو اختطف الذباب وسلب شيئاً من الطيب الذي كانوا يضمخون به الأصنام لما استطاعت تلك الآلهة استرجاعه منه رغم ضعفه وحقارته ﴿ضَعُفَ الطالب والمطلوب﴾ أي ضعف العابد الذي يطلب الخير من الصنم، والمطلوب الذي هو الصنم، فكل منهما حقير ضعيف ﴿مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أي ما عظموه حق تعظيمه حيث جعلوا الأصنام - على حقارتها - شركاء للقوي العزيز ولهذا قال ﴿إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أي هو تعالى قادر لا يعجزه شيء، غالب لا يغلب، فكيف يسوون بين القوي العزيز والعاجز الحقير؟! ﴿الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس﴾ أي الله يختار رسلاً من الملائكة ليكونوا وسطاء لتبليغ الوحي إلى أنبيائه، ويختار رسلاً من البشر لتبليغ شرائع الدين لعباده، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون الرسول من البشر ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ أي يسمع ما يقولون ويرى ما يفعلون ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي يعلم ما قدموا وما أخَّروا من الأفعال والأقوال والأعمال ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ أي إلأيه وحده جل وعلا ترد أمور العباد فيجازيهم عليها ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا﴾ أي صلوا لربكم خاشعين، وإِنما عبر عن الصلاة بالركوع والسجود لأنهما أشرف أركان الصلاة ﴿وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ﴾ أي أفردوه بالعبادة ولا تعبدوا غيره ﴿وافعلوا الخير﴾ أي افعلوا ما يقربكم من الله من أنواع الخيرات والمبرات كثلة الأرحام، ومواساة الأيتام، والصلاة بالليل والناس نيام ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي لتفوزوا وتظفروا بنعيم الآخرة {وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ


الصفحة التالية
Icon