ولم يكن بشراً ﴿مَّا سَمِعْنَا بهذا في آبَآئِنَا الأولين﴾ أي ما سمعنا بمثل هذاكللام في الأمم الماضية، والدهور الخالية ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي ما هو إلا رجلٌ به جنون ﴿فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حتى حِينٍ﴾ أي انتظروا واصبروا عليه مدة حتى يموت ﴿قَالَ رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ﴾ أي قال نوح بعد ما يئس من إِيمانهم: ربِّ انصرني عليهم بإِهلاكهم عامةً بسبب تكذيبهم إِياي ﴿فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا﴾ أي فأوحينا إِليه عند ذلك أن اصنع السفينة بمرأى منا وحفظنا ﴿وَوَحْيِنَا﴾ أي بأمرنا وتعليمنا ﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا﴾ أي فإِذا جاء أمرنا بإِنزال العذاب ﴿وَفَارَ التنور﴾ أي فار الماء في التنور الذي يخبز فيه قال المفسرون: جعل الله ذلك علامة لنوح على هلاك قومه ﴿فاسلك فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين﴾ أي فأدخل في السفينة من كل صنفٍ من الحيوان زوجين «ذكر وأنثى» لئلا ينقطع نسل ذلك الحيوان ﴿وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ﴾ أي واحمل أهلك أيضاً إِلاّ من سبق عليه القول بالهلاك ممن لم يؤمن كزوجته وابنه ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ﴾ أي ولا تسألني الشفاعة للظالمين عند مشاهدة هلاكهم فقد قضيت أنهم مغرقون محكوم عليهم بالغرق ﴿فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك﴾ أي فإِذا علوت أنت ومن معك من المؤمنين على السفينة ﴿فَقُلِ الحمد للَّهِ الذي نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين﴾ أي احمدوا الله على تخليصه إِياكم من الغرق وإِنما قال ﴿فَقُلِ﴾ ولم يقل فقولوا لأن نوحاً كان نبياً لهم وإِماماً فخطابه خطابٌ لهم ﴿وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً﴾ أي أنزلني إِنزالاً مباركاً يحفظني من كل سوء وشر قال ابن عباس: هذا حين خرج من السفينة ﴿وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين﴾ أي أنت يا رب خير المنزلين لأوليائك والحافظين لعبادك ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ﴾ أي إِنَّ فيما جرى على أمة نوح دلائل وعبر يستدل بها أولوا الأبصار ﴿وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ أي وإِنَّ الحال والشأن كنا مختبرين للعباد بإِرسال المرسلين ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾ أي ثم أوجدنا من بعد قوم نوح قوماً آخرين يخلفونهم وهم قوم عاد ﴿فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾ أي أرسلنا إِليهم رسولاً من عشيرتهم هو هود عليه السلام ﴿أَنِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾ أي أعبدوه وحده ولا تشركوا به أحداً لأنه ليس لكم ربٌّ سواه ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ أي أفلا تخافون عذابه وانتقامه إِن كفرتم؟ ﴿وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخرة﴾ أي قال أشراف قومه الكفرة المكذبون بالآخرة وما فيها من الثواب والعقاب ﴿وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا﴾ أي وسَّعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا ونعمناهم في هذه الحياة ﴿مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ أي قالوا لأتباعهم مضلين لهم: ما هذا الذي يزعم أنه رسول إِلا إِنسان مثلكم ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ أي يأكل مثلكم ويشرب مثلكم فلا فضل له عليكم لأنه محتاج إِلى الطعام والشراب ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾ أي ولئن أطعتموه وصدقتموه فإِنكم لخاسرون حقاً حيق أذللتم أنفسكم باتّباعه قال أبو السعود: انظر كيف جعلوا اتباع الرسول الحق الذي يوصلهم إلى سعادة الدارين خسراناً دون عبادة الأصنام التي لا خسران وراءها؟ قاتلهم الله أنَّى يؤفكون ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً﴾ استفهام على وجه الاستهزاء والاستبعاد أي أيعدكم بالحياة بعد الموت أن تصبحوا رفاتاً


الصفحة التالية
Icon