عليها وماءٍ جارٍ ظاهر للعيون قال الرازي: القرار: المستقر كل أرض مستوية مبسوكة، والمعين: الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض، وعن قتادة: ذات ثمارٍ وماء، يعني أنه لأجل الثمار يسقر فيها ساكنوها ﴿ياأيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صَالِحاً﴾ أي قلنا يا أيها الرسل كلوا من الحلال وتقربوا إِلى الله بالأعمال الصالحة، والنداء لكل رسولٍ في زمانه وصى به كل رسول إرشاداً لأمته كما تقول تخاطب تاجراً: يا تجار اتقوا الربا ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وعيدٌ وتحذير أي إِني عالم بما تعملون لا يخفى عليَّ شيء من أمركم، قال القرطبي: شمل الكل في الوعيد وإِذا كان هذا مع الرسل والأنبياء، فما ظنُّ كل الناس بأنفسهم؟ ﴿وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد، وملتكم ملة واحدة وهي دين الإِسلام ﴿وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاتقون﴾ أي وأنا ربكم لا شريك لي فخافوا عذابي وعقابي.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستعارة البديعة ﴿اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا﴾ عبَّر عن المبالغة في الحفظ والرعاية بالصنع على الأعين لأن الحافظ للشيء في الأغلب يديم مراعاته بعينه فلذلك جاء بذكر الأعين بدلاً من ذكر الحفظ والحراسة على طريق الاستعارة.
٢ - الكناية ﴿وَفَارَ التنور﴾ كناية عن الشدة كقولهم حمي الوطيس، وأطلق بعض العلماء التنور على وجه الأرض مجازاً.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿أَنزِلْنِي مُنزَلاً﴾ و ﴿تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
٤ - الطباق بين ﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ وكذلك بين ﴿تَسْبِقُ.. ويَسْتَأْخِرُونَ﴾. ٥ - الجناس الناقص ﴿أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا﴾ لتغيير بعض الحروف مع الشكل.
٦ - التشبيه البليغ ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً﴾ أي كالغثاء في سرعة زواله ومهانة حاله، حذف وجه الشبه وأداة التشبيه فصار بليغاً.
٧ - أسلوب الإِطناب ﴿الذين كَفَرُواْ، وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخرة، وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا﴾ ذماً لهم وتسجيلاً عليهم القبائح والشناعات.
٨ - السجع اللطيف مثل ﴿تَتَّقُونَ، تَشْرَبُونَ، مُّخْرَجُونَ﴾ ومثل ﴿عَالِينَ، المهلكين، قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾.
فَائِدَة: لفظ البشر يطلق على الواحد والجمع، فمن إِطلاقه على الواحد ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً﴾ [مريم: ١٧] ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ ؟ على إِطلاقه على الجمع ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً﴾ [مريم: ٢٦] ﴿وَمَا هِيَ إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٣١] أفاده صاحب الكشاف.


الصفحة التالية
Icon