تَضْحَكُونَ} أي وكنتم تتضحكون عليهم في الدنيا ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صبروا﴾ أي جزيتهم بسبب صبرهم على أذاكم أحسن الجزاء ﴿أَنَّهُمْ هُمُ الفآئزون﴾ أي أنهم هم الفائزون بالنعيم المقيم ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ﴾ أي قال تعالى للكفار على سبيل التبكيت والتوبيخ: كم مكثتم في الدنيا وعمَّرتم فيها من السنين؟ ﴿قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ أي مكثنا يوماً أو أقل من يوم ﴿فَسْئَلِ العآدين﴾ أي الحاسبين المتمكنين من العدِّ قال ابن عباس: أنساهم ما كانوا فيه من العذاب المدة التي لبثوها ﴿قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي ما أقمتم حقاً في الدنيا إِلا قليلاً قال الرازي: كأنه قيل لهم: صدقتم ما لبثتم فيها إِلا قليلاً فقد انقضت ومضت، والغرضُ تعريفهم قلة أيام الدنيا في مقابلة أيام الآخرة ﴿لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي لو كان لكم علمٌ وفهم لعرفتم حقارة الدنيا ومتاعها الزائل ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾ أي أظننتم - أيها الناس - أنما خلقناكم باطلاً وهملاً بلا ثواب ولا عقاب كما خلقت البهائم ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ﴾ أي وأنه لا رجوع لكم إِلينا للجزاء؟ لا ليس الأمر كما تظنون وإِنما خلقناكم للتكليف والعبادة ثم الرجوع إِلى دار الجزاء ﴿فَتَعَالَى الله﴾ أي فتنزَّه وتقدَّس الله الكبير الجليل ﴿الملك الحق﴾ أي صاحب السلطان، المتصرف في ملكه بالإِيجاد والإِعدام، والإِحياء والإِفناء، تنزَّه عن العبث والنقائض وعن أن يخلق شيئاً سفهاً لأنه حكيم ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا ربَّ سواه ولا خالق غيره ﴿رَبُّ العرش الكريم﴾ أي خالق العرش العظيم وصفه بالكريم لأن الرحمة والخير والبركة تنزل منه، ولنسبته إلى أكرم الأكرمين ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ﴾ أي ومن يجعل لله شريكاً ويعبد معه سواه ﴿لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ أي لا حجة له به ولا دليل ﴿فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ أي جزاؤه وعقابه عند الله ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون﴾ أي لا يفوز ولا ينجح من جحد وكذب بالله ورسله، افتتح السورة بقوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون﴾ وختمها بقوله ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون﴾ ليظهر التفاوت بين الفريقين فشتان ما بين البدء والختام.
﴿وَقُل رَّبِّ اغفر وارحم وَأنتَ خَيْرُ الراحمين﴾ أمر رسوله بالاستغفار والاسترحام تعليماً للأمة طريق الثناء والدعاء، اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.
البّلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الامتنان ﴿وَهُوَ الذي أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة﴾.
٢ - التفنن ﴿السمع والأبصار﴾ أفرد السمع وجمع الأبصار تفنناً.
٣ - التنكير للتقليل ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ و ﴿مَّا﴾ تأكيد للقلة المستفادة من التنكير والمعنى شكراً قليلاً وهو كناية عن عدم الشكر.
٤ - الاستفهام الذي غرضه الإِنكار والتوبيخ ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ؟ ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ ؟ ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ ؟
٥ - الطباق بين ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.
٦ -


الصفحة التالية
Icon