عنهم شيئاً من عقاب الله وعذابه ﴿لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ أي حين جاء قضاء الله بعذابهم ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ أي وما زادتهم تلك الآلهة غير تخسير وتدمير ﴿وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ أي مثل ذلك الأخذ والإِهلاك الذي أخذ الله به أهل القرى الظالمين المكذبين، يأخذ تعالى بعذابه الفجرة الظلمة قال الألوسي: وفي الآية من إِنذار الظالم ما لا يخفى كما قال عليه السلام
«إن الله ليُملي للظالم حتى إِذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ الأية ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ أي إن عذابه موجع شديد، وهذا مبالغة في التهديد والوعيد ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة﴾ أي إن في هذه القصص والأخبار لعظة وعبرة لمن خاف عذاب الله وعقابه في الآخرة ﴿ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس﴾ أي يجتمع فيه الخلائق للحساب والثواب والعقاب ﴿وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ أي يشهده أهل السماء والأرض، والأولون والآخرون قال ابن عباس: يشهده البر والفاجر ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ﴾ أي ما نؤخر ذلك اليوم - يوم القيامة - إِلا لزمنٍ معيَّن سبق به قضاء الله، لا يتقدم ولا يتأخر ﴿يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ أي يوم يأتي ذلك اليوم الرهيب لا يتكلم أحدٌ إِلا بإِذن الله تعالى ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ أي فمن أهل الموقف شقيٌّ، ومنهم سعيد كقوله ﴿فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير﴾ [الشورى: ٧] ﴿فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِي النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ أي فأما الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة فإِنهم مستقرون في نار جهنم، لهم من شدة كربهم ﴿زَفِيرٌ﴾ وهو إخراج النَّفَس بشدة ﴿وَشَهِيقٌ﴾ وهو ردُّ النَّفَس بشدة، وقال بعض المفسرين: شبِّه صراخهم في جهنم بأصوات الحمير قال الطبري: في روايته عن قتادة: صوتُ الكافر في النار صوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض﴾ أي ماكثين في جهنم أبداً على الدوام ما دامت السماوات والأرض قال الطبري: إِن العرب إِذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبداً قالت: هذا دائمٌ دوام السماوات والأرض بمعنى أنه دائمٌ أبداً، فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم قال ابن زيد: أحدهما أن تراد سماوات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد، والثاني أن يكون عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ﴾ الاستثناء في أهل التوحيد، لأن لفظة ﴿شَقُواْ﴾ تعم الكفار والمذنبين، فاستثنى الله من خلود أهل الشقاوة العصاة من المؤمنين، فإِنهم يطهرون في نار جهنم ثم يخرجون منها بشفاعة سيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويدخلهم الله الجنة ويقال لهم: ﴿طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ أي يفعل ما يريد يرحمْ ويعذب كما يشاء ويختار، لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه ﴿وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ﴾ هذا بيانٌ لحال الفريق الثاني «أهل السعادة» اللهم اجعلنا منهم أي وأما السعداء الأبرار