نساء المشركين فيجوز لها أن تظهر زينتها لها وإن كانت مشركة لأنها أمتها ﴿أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال﴾ أي الخدام غير أولي الميل والشهوة والحاجة إلى النساء كالبُلْهِ والحمقى والمغفلين الذين لا يدركون من أمور الجنس شيئاً قال مجاهد: هو الأبله الذي يريد الطعام ولا يريد النساء ولا يهمه إلا بطنه ﴿أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء﴾ أي الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا حدَّ الشهوة، ولا يعرفون أمور الجماع لصغرهم فلا حرج أن تظهر المرأة زينتها أمامهم ﴿وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ أي ولا يضربن بأرجلهن الأرض لئلا يسمع الرجال صوت الخلخال فيطمع الذي في قلبه مرض قال ابن عباس: كانت المرأة تمر بالناس وتضرب برجلها ليسمع صوت خلخالها، فنهى الله تعالى عن ذلك لأنه من عمل الشيطان ﴿وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي ارجعوا أيها المؤمنون إلى ربكم بامتثال الطاعات، والكفّ عن الشهوات، لتنالوا رضاه وتفوزوا بسعادة الدارين ﴿وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ﴾ أي زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من الرجال والنساء من أحرار رجالكم ونسائكم قال الطبري: الأَيامي جمع أَيَّم، يوصف به الذكر والأنثى يقال: رجل أَيَّم وامرأة أَيمِّة إذا لم يكن لها زوج ﴿والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ﴾ أي وأنكحوا كذلك أهل التقى والصلاح من عبيدكم وجواريكم قال البيضاوي: وتخصيص الصالحين لأن إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهمُّ، وفيه إشارة إلى مكانه التقى والصلاح في الإِنسان ﴿إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ أي إن يكن هؤلاء الذين تزوجونهم أهل فاقةٍ وفقر فلا يمنعكم فقرهم من إنكاهم، ففي فضل الله ما يغنيهم ﴿والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ أي واسع الفضل، جواد كريم، يعطي الرزق من يشاء وهو عليم بمصالح العباد قال القرطبي: وهذا وعدٌ بالغنى للمتزوجين طلباً لرضى الله، واعتصاماً من معاصيه وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح وتلا هذه الآية وفي الحديث
«ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله» ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً﴾ أي وليجتهد في العفة وقمع الشهوة الذين لا تتيسر لهم سبل الزواج لأسباب مادية ﴿حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ أي حتى يوسع الله عليهم ويسهل لهم أمر الزواج، فإن العبد إذا اتقى الله جعل له من أمره فرجاً ومخرجاً ﴿والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي والذين يريدون أن يتحرروا من رقِّ العبودية بمكاتبة أسيادهم من العبيد والأرقاء ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً﴾ أي فكاتبوهم على قدر من المال إن عرفتم منهم الأمانة والرشد ليصيروا أحراراً ﴿وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ﴾ أي أعطوهم مما أعطاكم الله من الرزق ليكون لهم عوناً على فكاك أنفسهم ﴿وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء﴾ أي لا تجبروا إماءكم على الزنى ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾ أي إن أردن التعفف عن مقارفة الفاحشة، وليس هذا للقيد أو الشرط وإنما هو لبيان فظاعة الأمر وشناعته، فالأصل في المملوكة أن يُحصنها سيدها أمّا أن يأمرها بالزنى وتمتنع وتريد العفة فذلك منتهى الخسة والدناءة منه قال المفسرون: نزلت في «عبد الله بن سلول» المنافق كان له جاريتان إحداهما تسمى «مُسَيْكة» والثانية تسمى «أميمة» فكان


الصفحة التالية
Icon