بأنه منور السماوات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ أي مثل نور الله سبحانه في قلب عبده المؤمن ﴿كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ أي ككوة في الحائط لا منفذ لها ليكون أجمع للضوء وضع فيها سراج ثاقب ساطع قال في التسهيل: المعنى صفةُ نور الله وضوحه كصفة مشكاةٍ فيها مصباح على أحظم ما يتصوره البشر من الإضاءة والإِنارة، وإنما شبه بالمشكاة - وإن كان نورُ الله أعظم - لن ذلك هو ما يدركه الناس من الأنوار ضرب لهم به المثل ﴿المصباح فِي زُجَاجَةٍ﴾ أي في قنديل من الزجاج الصافي ﴿الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ أي تشبه الكوكب الدري في صفائها وحسنها ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ أي يشعل ذلك المصباح من زيت شجرة مباركة ﴿زَيْتُونَةٍ﴾ أي هي من شجر الزيتون الذي خصه الله بمنافع عديدة ﴿لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ﴾ أي ليست في حهة الشرق ولا في جهة الغرب، وإنما هي في صحراء منكشفة تصيبها الشمس طول انهار لتكون ثمرتها أن ضح، وزيتُها أصفى قال ابن عباس: هي شجرة بالصحراء لا يظلها شجر، ولا جبلٌ، ولا كهف، ولا يواريها شيء وهو أجود لزينها ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ مبالغة في وصف صفاء الزيت وحسنه وجودته أي يكاد زيتُ هذه الزيتونة يضيء من صفاته وحسن ضيائه ولو لم تمسَّه نار، فكيف إذا مسته النار؟ ﴿نُّورٌ على نُورٍ﴾ أي نور قوف نور فقد اجتمع نور السراج، وحسن الزجاجة، وصفاء الزيت، فاكتمل النور الممثل به ﴿يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ﴾ أي يوفق الله لاتباع نوره - وهو القرآن - من يشاء من عباده ﴿وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ﴾ أي يبين لهم الأمثال تقريباً لأفهامهم ليعتبروا ويتعظوا بما فيها من الأسرار والحكم ﴿والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ﴾ أي هو سبحانه واسع العلم لا يخفى عليه شيء من أمر الخلق، وفيه وعدٌ ووعيد قال الطبري: ذلك مثلٌ ضربه الله للقرآن في قلب أهل الإيمان به فقال: مثل نور الله الذي أنار به لعباده سبيل الرشاد مثل كوة في الحائط لا منفذ لها فيها مصباح أي سراج، وجعل السراج مثلاً لما في قلب المؤمن من القرآن والآيات البينات ثم قال ﴿المصباح فِي زُجَاجَةٍ﴾ وذلك مثلٌ للقرآن في قلب المؤمن الذي أنار الله صدره فخلص من الكفر والشك، ثم قال ﴿الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ أي كأن الزجاجة في صفائها وضيائها كوكب يشبه الدر في الصفاء والضياء والحسن ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ﴾ أي تَوَقَّد هذا المصباح من دهن شجرة مباركة هي شجرة الزيتون، ليست شرقية تطلع عليها الشمس بالعشي دون الغداة، ولكن الشمس تشرق عليها وتغرب فيكون زيتها أجود وأصفى وأضوأ ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ أي يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء م صفائه وحسن ضيائه وعنى بها أن حجج الله على خلقه تكاد من بيانها ووضوحها تضيء لمن فكر فيها ونظر ولو لم يزدها الله بياناً ووضوحاً بنزول هذا القرآن، فكيف وقد نبههم به وذكرهم بآياته فزادهم به حجة! وذلك بيانٌ من الله ونور على البيان.
ثم لما ذكر تعالى هدايته لمن يشاء من عباده، ذكر مواطن هذه العبادة وهي المساجد أحبُّ البقاع إلى الله فقال ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ﴾ أي أمر تعالى أن تبنى وتشاد على اسمه خاصة، وأن تعظَّم ويرفع شأنها لتكون مناراتٍ للهدى ومراكز للإشعاع الروحي قال ابن عباس: المساجد


الصفحة التالية
Icon