كما يستأذن الرجال البالغون ﴿كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ اي يفصّل لكم أمور الشريعة والدين ﴿والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عليم بخلقه حكيم في تشريعه قال البيضاوي: كرره تأكيداً ومبالغة في الأمر بالاستئذان ﴿والقواعد مِنَ النسآء﴾ أي والنساء العجائز اللواتي قعدن عن التصرف وطلب الزواج لكبر سنهن ﴿اللاتي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً﴾ أي لا يطمعن في الزواج ولا يرغبن فيه لانعدام دوافع الشهوة فيهن ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ اي لا حرج ولا إثم عليهنَّ في ان يضعن بعض ثيابهم كالرداء والجلباب، ويظهرن أمام الرجال بملابسهن المعادة التي لا تلفت انتباهاً، ولا تثير شهوة ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ أي غير متظاهرات بالزينةليظر إليهن قال أبو حيان: وحقيقة التبرج إظهار ما يجب إخفاؤُه، وربَّ عجوزٍ شمطاء يبدو منها الحرصُ على أن يظهر بها جمال ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾ أي وأن يستترن بارتداء الدلباب ولبس الثياب كا تلبسه الشابات من النساء، مبالغةً في التستر والتعفف خيرٌ لهنَّ وأكرم، وأزكى عند الله وأطهر ﴿والله سَمِيعٌ عِلِيمٌ﴾ أي يعلم خفايا النفوس ويجازي كل إنسان بعمله، وفيه وعدٌ وتحذير ﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ﴾ أي ليس على أهل الأعذار «الأعمى، والأعرج، والمريض» حرج ولا إثم في القعود عن الغزو لضعفهم وعجزهم ﴿وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ﴾ أي وليس عليكم أيها الناس إثم أن تأكلوا من بيوت أزواجكم وعيالكم قال البيضاوي: فيدخل فيها بيوت الأولاد لأن بيت الولد كبيته لقوله عليه السلام: إن أطيبَ ما يأكل المرءُ م كسبه، وإنَّ ولده من كسبه ﴿أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ﴾ أي لا حرج في الأكل من بيوت هؤلاء الأقارب قال الرازي: والظاهر أن إباحة الأكل لا تتوقف على الاستئذان لأن العادةأن هؤلاء القوم تطيب أنفسهم بأكل الأقارب ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ﴾ أي البيوت التي توكّلون عليه وتملكون مفاتيحها في غياب أهلها قال عائشة: كان المسلمون يذهبون مع رسول الله في الغزو ويدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم ويقولون: قد أحللنا لكم الأكل منها فكانوا يقولون: إنه لا يجل لنا ان نأكل، إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم وإنما نحن أمناء فأنزل الله ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ﴾ ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ أي أو بيوت أصدقائكم وأصحابكم قال قتادة: إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً﴾ أي ليس عليكم إثم أو حرج أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين قال المفسرون: نزلت ف حيٍ من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده، يمكث يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئاً: وربما كان معه الإِبل الحُفَّل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه فأخبرهم تعالى بأن الرجل إذا أكل وحده لا حرج عليه ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ﴾ أي


الصفحة التالية
Icon