السماوات والأرض} أي له جل وعلا ما في الكون ملكاً وخلقاً وعبيداً ﴿قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾ أي قد علم ما نفوسكم من الإِيمان أو النفاق، والإخلاص أو الرياء ﴿وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ﴾ أي ويوم القيامة يرجعون إِليه فيخبرهم بما فعلوا في الدينا من صغيرٍ وكبير، وجليل وحقير ويجازي كلا بعمله ﴿والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ﴾ أي لا يخفى عليه خافية لأن الكل خلقه وملكه.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبيان نوجزها فيما يلي:
١ - الاستعارة اللطيفة ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ شبَّه الأيمان التي يحلف بها المنافقون بالغين فيها أقصى المراتب في الشدة والتوكيد بمن يجهد نفسه في أمر شاقّ لا يستطيعه ويبذل أقصى وسعه وطاقته بطريق الاستعارة.
٢ - المشاكلة ﴿عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ أي عليه أمرُ التبليغ وعليكم وزر التكذيب.
٣ - الطباق بين الخوف والأمن ﴿مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ وكذلك بين الجميع والأشتات ﴿جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً﴾ لأن المعنى مجتمعين ومتفرقين.
٤ - الإِطناب بتكرير لفظ الحرج لترسيخ الحكم في الأذهان ﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ﴾.
٥ - صيغة المبالغة ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
فَائِدَة: قال بعض السلف: من أمَّر السُنَّة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمَّر والهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة لقوله تعالى ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ﴾.
لطيفَة: قيل لبعضهم: من أحبُّ إليك أخوك أم صديق؟ فقال: لا أحب أخي إذا لم يكن صديقي. وقال ابن عباس: «الصديق أوكد من القريب ألا ترى استغاثة الجهنمييَّن حين قالوا ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٠٠ - ١٠١] ولم يستغيثوا بالآباء والأمهات».
تنبيه: كان بعض العرب يرى أحدهم أن عاراً وخزياً عليه أن يأكل وحده ويبقى جائعاص حتى يجد من يؤاكله ويشاربه واشتهر هذا عن حاتم فكان يقول:

إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست أكله وحدي
وهذا من مآثر العرب ومفاخرهِم، فقد اشتهروا بالجود والكرم، وقرى الضيف.


الصفحة التالية
Icon