للعذاب عنكم ولا نصراً لأنفسكم من هذا البلاء ﴿وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً﴾ أي ومن يشرك منكم بالله فيظلم نفسه نذقه عذاباً شديداً في الآخرة ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق﴾ أي وما أرسلنا قبلك يا محمد أحداً من الرسل إِلا وهم يأكلون ويشربون ويتجولون في الأسواق للتكسب والتجارة، فتلك هي سنة المرسلينمن قبلك فلم ينكرون ذلك عليك؟ وهو جواب عن قولهم ﴿مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام﴾ ؟ ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾ أي جعلنا بعض الناس بلاءً لبعض ومحنة، ابتلى الله الغنيَّ بالفقير، والشريف بالوضيع، والصحيح بالمريض ليختبر صبركم وإِيمانكم أت شكرون أم تكفرون؟ قال الحسن: يقول الأعمى لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان، ويقول الفقير لو شاء الله لجعلني غنياً مثل فلان، ويقول السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرا﴾ أي عالماً بمن يصبر أو يجزع، وبمن يشكر أو يكفر.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِضافة للتشريف ﴿على عَبْدِهِ﴾ ولم يذكره باسمه تشريفاً له وتكريماً.
٢ - الاكتفاء بأحد الوصفين ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ أي ليكون بشيراً ونذيراً واكتفى بالإِنذار لمناسبته للكفار.
٣ - الجناس الناقص ﴿يَخْلُقُونَ.. ويُخْلَقُونَ﴾ سمي ناقصاً لتغايره في الشكل.
٤ - الطباق بين ﴿ضَرّاً.. ونَفْعاً﴾ وبين ﴿مَوْتاً.. وحَيَاةً﴾.
٥ - الاستفها للتهكم والتحقير ﴿مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام﴾ ؟
٦ - الاستعارة التمثيلية ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ شبَّه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه وهو تمثيل وصف النار بالاهتياج والاضطرام على عدة المغيظ والغضبان.
٧ - جناس الاشتقاق ﴿أَرْسَلْنَا.. المرسلين﴾.
٨ - الجناس غير التام ﴿تَصْبِرُونَ.. بَصِيراً﴾ لتقديم بعض الحروف وتأخير البعض.
لطيفَة: نبّه تعالى بقوله ﴿الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك﴾ على أنه تعالى يعطي العباد على حسب المصالح، فيفتح على واحد أبواب المعارف والعلوم ويسد عليه أبواب الدنيا، ويفتح آخر أبواب الرزق ويحرمه لذة الفهم والعلم، ولا اعتراض عليه لأنه فعال لما يريده.


الصفحة التالية
Icon