لانتفاعهم بمواعظ القرآن ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ﴾ أي اعملوا على طريقتكم ومنهجكم إِنا عاملون على طريقتنا ومنهجنا، وهو أمرٌ ومعناه التهديد والوعيد ﴿وانتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ تهديدٌ آخر أي انتظروا ما يحلُّ بنا إِنا منتظرون ما يحل بكم من عذاب الله ﴿وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض﴾ أي علمُ ما غاب وخفي فيهما، كلُّ ذلك بيده وبعلمه ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ﴾ أي إِليه يردُّ أمر كل شيء، فينتقم ممن عصى، ويثيب من أطاع وفيه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتهديد للكفار بالانتقام منهم ﴿فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ أي اعبد ربَّك وحده، وفوّضْ إِليه أمرك، ولا تعتمدْ على أحدٍ سواه، فإنه كافي من توكُّل عليه ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد، ويجازي كلاً بعمله.
البَلاَغَة: ١ - ﴿مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ شبَّه ما بقي من آثار القرى وجدرانها بالزرع القائم على ساقه، وشبَّه ما هلك مع أهله ولم يبق له أثر بالزرع المحصود بالمناجل على طريق الاستعارة المكنية.
٢ - ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن ظلموا أَنفُسَهُمْ﴾ فيه طباق السلب.
٣ - ﴿إِذَا أَخَذَ القرى﴾ مجازٌ عن الأهل أي أخذ أهل القرى.
٤ - ﴿شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ بينهما طباقٌ وهو من المحسنات البديعية.
٥ - ﴿فَأَمَّا الذين شَقُواْ | وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ﴾ فيه لفٌ ونشر مرتب. |
٧ - ﴿إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات﴾ بينهما طباقٌ.
٨ - ﴿ذكرى لِلذَّاكِرِينَ﴾ بينهما جناس الاشتقاق.
تنبيه: خلود أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، ثابتٌ مقطوعٌ به بالنصوص العديدة، وأما الاستثناء بالمشيئة في هذه السورة فقد استعمل في أسلوب القرآن للدلالة على الثبوت والاستمرار، والنكتة في ذكره بيان أنَّ هذه الأمور إِنما كانت بمشيئته تعالى ولو شاء لغيَّرها، وليس شيء خارج عن مشيئته، فالإِيمان والكفر، والسعادة والشقاوة، والخلود والخروج كلها بمشيئته تعالى.
فَائِدَةَ: أشار الشهاب إِلى لطيفةٍ من البلاغة القرآنية، وهي أن الأوامر بأفعال الخير أفردت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإِن كانت عامة في المعنى ﴿فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ، وَأَقِمِ الصلاة، واصبر﴾ وفي المنهيات جمعت للأمة ﴿وَلاَ تَطْغَوْاْ، وَلاَ تركنوا إِلَى الذين ظَلَمُواْ﴾ كذا في العناية.