كأنه يقول: لا أسألكم مالاً ولا أجراً وإِنما أسألكم الإِيمان بالله وطاعته وأجري على الله ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ﴾ أي اعتمد في جميع أمورك على الواحد الأحد، الدائم الباقي الذي لا يموت أبداً، فإِنه كافيك وناصرك ومظهر دينك على سائر الأديان ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ أي نزّه الله تعالى عمّا يصفه هؤلاء الكفار مما لا يليق به من الشركاء والأولاد ﴿وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً﴾ أي حسبك أن الله مطَّلع على أعمال العباد لا يخفى عله شيء منها قال الإِمام الفخر: وهذه الكلمة يراد بها المبالغة كقولهم: كفى بالعلم جمالاً، وكفى بالأدب مالاً، وهي بمعنى حسبك أي لا تحتاج معه إل غيره لأنه خبيرٌ بأحوالهم، قادر على مجازاتهم، وذلك وعيدٌ شديد ﴿الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ أي هذا الإِله العظيم الذي ينبغي أن تتوكل عليه هو القادر على كل شيء، الذي خلق السماوات السبع في ارتفاعها واتساعها، والأرضين في كثافتها وامتدادها في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا قال ابن جبير: الله قادر على ان يخلقها في لحظة ولكن علَّم خلقه الرفق والتثبت ﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ استواءً يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تعطيل ﴿الرحمن﴾ أي هو الرحمن ذو الجود والإِحسان ﴿فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ أي فسلْ عنه من هو خبيرٌ عارف بجلاله ورحمته، وقيل: الضمير يعود إلى الله أي فاسأل اللهَ الخبيرَ بالأشياء، العالم بحقائقها يطلعك على جليَّة الأمر ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن﴾ أي وإِذا قيل للمشركين اسجدوا لربكم الرحمن الذي وسعت رحمته الأكوان ﴿قَالُواْ وَمَا الرحمن﴾ ؟ أي من هو الرحمن؟ استفهموا عنه استفهام من يجهله وهم عالمون به ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ أي أنسجد لما تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرفه؟ ﴿وَزَادَهُمْ نُفُوراً﴾ اي وزادهم هذا القول بعداً عن الدين ونفوراً منه.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام للتهكم والاستهزاء ﴿أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً﴾ ؟
٢ - التعجيب ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾ وفيه تقديم المفعول الثاني على الأول اعتناءً بالأمر المتعجب منه والأصل «اتخذ هواه إِلهاً له».
٣ - التشبيه البليغ ﴿جَعَلَ لَكُمُ اليل لِبَاساً﴾ أي كاللباس الذي يغطي البدن ويستره حذف منه الأداة ووجه الشبه فأصبح بليغاً.
٤ - المقابلة اللطيفة بين الليل والنهار والنوم والانتشار ﴿جَعَلَ لَكُمُ اليل لِبَاساً والنوم سُبَاتاً وَجَعَلَ النهار نُشُوراً﴾.
٥ - الاستعارة البديعة ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ استعار اليدين لما يكون أمام الشيء وقدَّامه كما تقول: بين يدي الموضوع أو السورة.
٦ - الالتفات من الغيبة إلى التكلم للتعظيم ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء﴾ بعد قوله ﴿اأَرْسَلَ الرياح﴾.
٧ - المقابلة اللطيفة ﴿هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ أي نهاية في الحلاوة ونهاية في الملوحة.


الصفحة التالية
Icon