تاب في الدنيا التوبة النصوح وأحسن عمله ﴿فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ أي يكرمهم الله في الآخرة فيجعل مكان السيئات حسنات وفي الحديث «إيني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجلٌ يُؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال: عملتَ يوم كذا وكذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه فيقال له: فإِنَّ لك مكانَ كل سيئةٍ حسنة فيقول يا رب: قد عملتُ أشياء لا أراها هاهنا، قال فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى بدتْ نواجذه» ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي واسع المغفرة كثير الرحمة ﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً﴾ أي ومن تاب عن المعاصي وأصلح سيرته فإن الله يتقبل توبته ويكون مرضياً عند الله تعالى ﴿والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ هذا هو الوصف السابع من أوصاف عباد الرحمن أي لا يشهدون الشهادة الباطلة - شهادة الزور - التي فيها تضييعٌ لحقوق الناس ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾ أي وإ ِذا مرُّوا بمجالس اللغو - وهي الأماكن التي يكون فيها العمل القبيح كمجالس اللهو، والسينما، والقمار، والغناء المحرَّم - مرُّوا معرضين مكرمين أنفسهم عن أمثال تلك المجالس قال الطبري: واللغوُ كلُّ كلامٍ أو فعلٍ باطل وكلُّ ما يُستقبح كسبّ الإِنسان، وذكر النكاح باسمه في بعض الأماكن، وسماعِ الغناءِ مما هو قبيح، كلُّ ذلك يدخل في معنى اللغو الذي يجب أن يجتنبه المؤمن ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ أي إِذا وُعظوا بآيات القرآن وخُوّفوا بها ﴿لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً﴾ أي لم يُعرضوا عنها بل سمعوها بآذانٍ واعية وقلوبٍ وجلة ﴿والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ أي اجعل لنا في الأزواجِ والبنين مسرةً وفرحاً بالتمسك بطاعتك، والعمل بمرضاتك ﴿واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ أي اجعلنا قُدوة يقتدي بنا المتقون، دعاةً إلى الخير هُداة مهتدين قال ابن عباس: أي أئمة يقتدى بنا في الخير ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ﴾ أي أولئك المتصفون بالأوصاف الجليلة السامية ينالون الدرجات العالية، بصبرهم على أمر الله وطاعتهم له سبحانه ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً﴾ أي ويُتلقَّون بالتحية والسلام من الملائكة الكرام كقوله تعالى
﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ [الرعد: ٢٣] الآية ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي مقيمين في ذلك النعيم لا يموتون ولا يُخْرجون من الجنَّة لأنها دار الخلود ﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ أي ما أحسنها مقراً وأطيبها منزلاً لمن اتقى الله ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ﴾ أي قل لهم يا محمد: لا يكترثُ ولا يحفلُ بكم ربي لولا تضرعكم إليه واستغاثتكم إيّاه في الشدائد ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾ أي فقد كذبتم أيها الكافرون بالرسول والقرآن فسوف يكون العذاب ملازماً لكم في الآخرة.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِضافة للتشريف والتكريم ﴿وَعِبَادُ الرحمن﴾.
٢ - الطباق بين السجود والقيام ﴿سُجَّداً وَقِيَاماً﴾ وكذلك بين الإِسراف والتقتير ﴿أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ﴾.
٣ -


الصفحة التالية
Icon