طاهر، سليم من الشرك والنفاق، والحسد والبغضاء، وإِلى هنا تنتهي دعوات الخليل إبراهيم ثم قال تعالى ﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي قُرِّبت الجنة للمتقين لربهم ليدخلوها قال الطبري: وهم الذين اتقوا عقابَ الله بطاعتهم إيّاه في الدنيا ﴿وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ﴾ أي وأُظهرتِ النارُ للمجرمين الضالين حتى رأوها بارزة أمامهم مكشوفة للعيان، فالمؤمنون يرون الجنة فتحصل لهم البهجة والسرور، والغاوون يرون جهنم فتحصل لهم المساءة والأحزان ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ أي قيل للمجرمين على سبيل التقريع والتوبيخ ﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي أين آلهتكم الذين عبدتموهم من الأصنام والأنداد؟ ﴿هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ﴾ أي هل ينقذونكم من عذاب الله، أو يستطيعون أن يدفعوه عن أنفسه؟ وهذا كله توبيخ ﴿فَكُبْكِبُواْ فِيهَا﴾ أي أُلقوا على رءوسهم في جهنم قال مجاهد: دُهوروا في جهنم وقال الطبري: رُمي بعضُهم على بعض، وطُرح بعضُهم على بعض منكبين على وجوههم ﴿هُمْ والغاوون﴾ أي الأصنامُ ولامسركون والعابدون والمعبودون كقوله
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ أي وأتباعُ إبليس قاطبة من الإِنس والجن ﴿قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾ أي قال العابدون لمعبوديهم وهم في الجحيم يتنازعون ويتخاصمون ﴿تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي نقسم بالله لقد كنا في ضلالٍ واضح وبعدٍ عن الحق ظاهر ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العالمين﴾ أي حين عبدناكم من عربّالعلامين وجعلناكم مثله في استحقاق العبادة ﴿وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ المجرمون﴾ أي وما أضلنا عن الهدى إلاّ الرؤساء والكبراء الذين زينوا لنا الكفر والمعاصي ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ﴾ أي ليس لنا من يشفع لنا من هول هذا اليوم ﴿وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ أي ولا صديقٍ خالص الود ينقذنا من عذاب الله ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أي لو أن لنا رجعةً إلى الدنيا ﴿فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين﴾ أي فنؤمن بالله ونحسن عملنا ونطيع ربنا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أي إن فيما ذكر من نبأ إبراهيم وقومه لعبرةً يعتبر بها أولو الأبصار ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ اي وما كان أكثر هؤلاء المشركين الذين تدعوهم إلى الإِسلام بمؤمنين ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ أي المنتقم من أعدائه، الرحيم بأوليائه.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِيجاز بالحذفِ ﴿فانفلق﴾ أي فضرب البحر فانفلق.
٢ - التشبيه المرسل المجمل ﴿كالطود العظيم﴾ أي كالجبل في رسوخه وثباته ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه.
٣ - الطباق بين ﴿يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ وكذلك بين ﴿يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾.
٤ - مراعاة الأدب ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ لم يقل: وإِذا أمرضني بل أسند المرض لنفسه تأدباً مع الله لأنَّ الشرَّ لا يُنسب إليه تعالى أدباً، وإِن كان المرضُ والشفاء كلاهما من الله.
٥ - الاستعارة اللطيفة ﴿واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ﴾ استعار اللسان للذكر الجميل والثناء الحسن وهو من ألطف الاستعارات.