المسحورين سُحرت حتى غُلب على عقلك قال المفسرون: والمُسَّر مبالغةٌ من المسحور ﴿مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ أي لستَ يا صالح إلا رجلاً مثلنا، فكيف تزعم أنك رسول الله ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أي فائتنا بمعجزة تدل على صدقك ﴿قَالَ هذه نَاقَةٌ﴾ أي هذه معجزتي إليكم وهي الناقة التي تخرج من الصخر الأصم بقدرة الله قال المفسرون: روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عُشراء - حامل - تخرج من صخرة معينة وتلد أمامهم، فقد صالح عليه السلام يتفكر فجاءه جبريل فقال: صلِّ ركعتين توسلْ ربك الناقة ففعل، فخرجت الناقة وولدت أمامهم وبركت بين أيديهم فقال لهم هذه ناقة يا قوم ﴿لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ أي تشرب ماءكم يوماً، ويوماً تشربون أنتم الماء قال قتادة: إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كلَّه، وشربُهم في اليوم الذي لا تشرب هي فيه، وتلك آيةٌ أخرى ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء﴾ أي لا تنالوها بأيِّ ضرر بالعقر أو بالضرب ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي فيصيبكم عذاب من الله هائل لا يكاد يوصف قال ابن كثير: حذَّرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حيناً من الدهر، تردُ الماء وتأكل الورق والمرعى، وينفعون بلبنها يحلبون منها ما يكفيهم شرباً وريَّاً، فلما طال عليهم الأمد وحضر أشقاهم تمالئوا على قتلها وعقرها ﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ﴾ أي فقتلوها رمياً بالسهام، رماها أشقاهم - قُدار بن سالف - بأمرهم ورضاهم فأصبحوا نادمين على قتلها خوف العذاب قال الفخر: لم يكن ندمهم ندم التائبين، لكن ندم الخائفين من العذاب العاجل ﴿فَأَخَذَهُمُ العذاب﴾ أي العذاب الموعود، وكان صيحةً خمدت لها أبدانهم، وانشقت لها قلوبهم، وزُلزلت الأرض تحتهم زلزالاً شديداً، وصُبَّت عليهم حجارة من السماء فماتوا عن آخرهم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ أي لعظةٌ وعبرة لمن عقل وتدبَّر ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ تقدم تفسيرهخا فيما سبق، ثم شرع تعالى في ذكر قصة «لوط» فقال ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين﴾ أي كذبوا رسولهم لوطاً ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾ أي ألا تخافون عقاب الله وانتقامه في عبادتكم غيره! ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين﴾ نفسُ الكلمات والألفاظ التي قالها من قبلُ صالحٌ، وهودٌ، ونوح مما يؤكد أن دعوة الرسل واحدة، وغايتها واحدة، وأن منشأها هو الوحي السماوي، ثم قال لهم لوط ﴿أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين﴾ استفهامُ إِنكارٍ وتوبيخٍ وتقريعٍ أي أَتنْكحون الذكور في أدبارهم، وتنفردون بهذا الفعل الشنيع من بين سائر الخلق؟ ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ قال لمجاهد: تركتم فروج النساء إلى أدبار الرجال ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ أي بل أنتم قوم مجاوزون الحدَّ في الإِجرام والفساد، وبَّخهم على إتيانهم الذكور، ثم أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في التوبيخ كأنه يقول خرجتم عن حدود الإِنسانية إلى مرتبة البهيمية بعدوانكم وارتكابكم هذه الجريمة الشنيعة، فالذكر من


الصفحة التالية
Icon