عليهم حراً شديداً فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هرباً إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابةً أظلَّتهم من الشمس، فوجدوا لها برداً ونادى بعضهم بعضاً حتى اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم ناراً فاحترقوا جميعاً، وكان ذلك من أعظم العذاب ولهذا قال ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي كان عذاب يوم هائل، عظيم في الشدة والهَول ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ وإِلى هنا ينتهي آخر القصص السبع التي أوحيت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لصرفه عن الحرص على إسلام قومه، وقطع رجائه ودفع تحسره عليهم كما قال في أول السورة ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ ففيها تسلية لرسول الله وتخفيفٌ عن أحزانه وآلامه، وإِنما كرر في نهاية كل قصة قوله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ ليكون ذلك أبلغ في الاعتبار، وأشدَّ تنبيهاً لذوي القلوب والأبصار.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - إطلاق الكل وإِرادة البعض ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين﴾ أراد بالمرسلين نوحاً وإِنما ذكره بصيفة الجمع تعظيماً له وتنبيهاً على أن من كذب رسولاً فقد كذب جميع المرسلين.
٢ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون﴾ ؟
٣ - الاستعارة اللطيفة ﴿فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً﴾ أي احكم بيننا وبينهم بحكمك العادل، استعار الفتاح للحاكم والفتح للحكم لأنه يفتح المنغلق من الأمر ففيه استعارة تبعية.
٤ - الطباق ﴿يُفْسِدُونَ.. وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾.
٥ - الجناس غير التام ﴿قَالَ.. القالين﴾ الأول من القول والثاني من قلى إذا أبغض.
٦ - الإِطناب ﴿أَوْفُواْ الكيل وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين﴾ لأن وفاء الكيل هو في نفسه نهي عن الخسران، وفائدته زيادة التحذير من العدوان.
٧ - المبالغة ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين﴾ والمسحَّر مبالغة عن المسحور.
٨ - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات مثل ﴿يُفْسِدُونَ، يُصْلِحُونَ، الأرذلون﴾.


الصفحة التالية
Icon